الأربعاء، 25 فبراير 2009

رجل صالح وناجح


عنما نسمع اليوم عن قصص الناجحين في الحياة ،وفي ميادين مختلفة نجد هذا النجاح مشوبا بأمور أصبح البعض يستسيغها ويعتبرها ضرورية ،وخصوصا في مجال التجارة. فلكي ينجح التاجر في نظر هؤلاء عليه أن يغش ويكذب ويحلف ..وإلا فبضاعته مآلها البوار..

لتكسير هذه القاعدة أسوق مثالا لرجل امتهن التجارة، واتصف بصفات الصالحين، فنجح في عمله وأيضا في كسب ثقة واحترام كل من عرفه .

إنه عبد المالك الجزار يعرفه كل أبناء ، الحي بل يأتيه الزبائن بسياراتهم من أحياء بعيدة...
عندما ترسل الأم أحد أولادها لشراء اللحم، فإنها توصيه بالذهاب عند عبد المالك ،وإلا فسوف يكون حسابها معه عسيرا ، فعادة ما يفضل الأولاد الذهاب عند أقرب دكان لكن الأمهات يكتشفن ذلك بمجرد فتح الكيس والإطلاع على ما بداخله..

عندما يقف زبون لأول مرة أمام محل عبد المالك ، أول ما يسترعي انتباهه هو جو السكينة والهدوء الذي يسود المكان والذي لا يقطعه إلا السلام أو رد السلام ....
كل واحد من الزبائن ينتظر دوره دون حاجة إلى تذكيرصاحب المحل به .
لم ألاحظ قط أنه أخطأ دورا كما أنه لا يمكن أن يقدم الكبير على الصغير ولا الغني على الفقير الكل سواسية عنده وكل من سولت له نفسه أن يخرق هذا القانون لاستعجاله أو ربما لعجرفته وتكبره يكون مخيرا بين انتظار الدور أو الذهاب لحال سبيله...

نجح هذا الرجل البسيط في تربية جيل من زبائنه على احترام أدوار بعضهم البعض، وعلى التزام الهدوء والسكينة أمام متجره، فهو أيضا قليل الكلام لا يكلم الزبون إلا للرد على السلام أو لسؤاله عن حاجته..
لا يمكن أن يبيعك إلا ما طابت به نفسك ،ولا ينقص المكيال ،ولايغش صغار الزبائن، محله نظيف وعمله متقن ولا يعرض من البضاعة إلا القليل والباقي كله في الثلاجة يختار من الذبائح أجودها وأصغرها سنا ...

نجحت تجارة عبد المالك وتوسعت، ففتح محلات أخرى في مناطق أخرى وجدد محله القديم ، لكنه بقي مخلصا لهذا المحل ، إلى أن قرر أن يعتزل العمل بسبب تقدم سنه..
باع المحل الذي ألفناه وألفه أبناء الحي، كيف لا ومنا من يشتري منه منذ أكثر من ثلاثين سنة ...

لم يكن يعلم أغلب الناس بامر اعتزال عبد المالك ، وكانوا يفاجؤون برجل يأخذ مكانه فيسألونه عنه فيرد مبتسما بحالي بحال عبد المالك ...

أمر اليوم بقرب هذا الدكان الذي طالما وقفت أمامه في صغري ، فأجده مهجورا من زبائن كانوا يتجمهرون حوله ، وأجد صاحبه الجديد وهو يمسك مذبة يهش بها على بضاعته في انتظار زبون قد يأتي أو لا يأتي...

رحم الله الحاج عبد المالك حيا كان أو ميتا..

أم عبد الرحمان

0 التعليقات:

إرسال تعليق