الأربعاء، 4 مارس 2009

الفرنسية في شوارع المغرب..

الفرنسية في شوارع المغرب..

اللافتات وفواتير الكهرباء والهاتف والانترنت ..وصفة الدواء التي يكتبها الطبيب ..الى غير ذلك كلها تكتب بالفرنسية وكأننا هنا في المغرب، مقاطعة تابعة لفرنسا وفي الوقت الذي كنا نسمع دعوات لتعريب ما تمت فرنسته ، نشاهد اليوم اكتساحا غير مسبوق لللغة الفرنسية على حساب اللغة الرسمية للبلاد ..
في هذه الفقرات المقتطفة من مقال بموقع جريدة الشرق الأوسط ، يتطرق الأستاذ محمد العربي المساري ، لظاهرة غزو الفرنسية لشوارع المغرب ، في غياب إرادة حقيقية للتصدي لهذا الغزو..

*****************

ينزل الوافد على المغرب، فيقطع عدة كيلومترات منذ خروجه من مطار محمد الخامس، لا يرى إلا لافتات إشهارية ليس فيها حرف عربي واحد، وكأنه في مدينة أسترالية. ويحدث ذلك بفعل فاعل. فهناك شركة إعلانات هي التي تنشر هذا التلوث البصري وتصر عليه. وهي تتصرف في الملك العام تصرف المالك المطلق، لا يردعها قانون ولا يحد من جسارتها أي اعتبار. وهناك قانون يفرض على مثل هذه الشركة أن تحصل على ترخيص باستعمال العبارات والصور التي تفرضها على أعين المارة. وهناك من يسلم لها بذلك عن طيب خاطر أو عن مصلحة. والنتيجة أنها تزداد إمعانا في تغيير هوية الشارع المغربي، بجسارة ليس عليها من مزيد. ويكاد هذا المظهر يعطي انطباعا بأن أهل البلاد غادروها، وحل بها جنس آخر، أو أن المغاربة قرروا سلخ جلدهم.

يحدث هذا وكأن أهل البلاد هاجروا وحملوا معهم قوانينهم التي تلزم صاحب أي إنتاج معروض في الساحة العمومية، إعلانا كان أو لوحة تجارية، بأن يطلب ترخيصا من رئيس المجلس الجماعي في المدينة أو القرية. وما يحدث هو أن كل رئيس من هؤلاء ينظر بعين من البلاستيك إلى القرارات المعروضة عليه قصد التوقيع فينسى واجبه ويوقع، ويوقعنا معه في ما هو حاصل. لقد اكتسحت الفرنسية بالإضافة إلى الفضاء العمومي كل الاجتماعات والندوات. وكل ملف في أي اجتماع مصمم على أنه يتم تناوله من اليسار إلى اليمين. وما من بناية رسمية يتم استحداثها، أو نقلها من مكانها، أو ترميمها إلا وكان أبرز ما تتميز به هو أن لا يظهر حرف عربي واحد في واجهتها. وقد اختفت لمدة عبارة «الشرطة» من الصدرية التي ترتديها فرقة من عناصر الأمن، واكتفي في تلك الصدرية فقط بمفردة مكتوبة بحروف لاتينية هي «بوليس». وهناك أحياء بكاملها في الرباط الجديدة لا تجد فيها حرفا واحدا بالعربية في واجهات المتاجر والمقاهي والمطاعم. وهذا ليس راجعا للصدفة كما يجب أن نؤكد، بل وراءه إرادة وقرار ومنطق انقلابي يهدف إلى إحداث أمر واقع هو مسح الحرف العربي نهائيا من شوارع المغرب. ومنذ بعض الوقت أخذنا نرى في مقبرة الشهداء الأعيان في الرباط عبارات مكتوبة بالفرنسية في شواهد القبور. وهي رطانة لو علموا غير مقبولة في موطن نودع فيه الموتى بلسان عربي مبين.

يحدث هذا أمام تكاسل واستهانة جماعيين. فقد وجهت لنا شركة «اتصالات المغرب» في يوم ما استفسارا عما إذا كان الزبناء يرغبون في أن تصلهم الفواتر بالعربية أو الفرنسية، وحدث أن عدد الذين أجابوا على الاستفسار، أو عدد من اختاروا العربية، كان من القلة إلى درجة زهدت الشركة في أن تتمسك بعرضها، واستمرأت أن تظل فوترتها بالفرنسية.

ولا يستبعد أن يكون وراء ذلك التكاسل أن مسألة اللغة لم تعد تثير في الناس حمية، أو أن الشاعرين بالمغص عددهم أصبح قليلا ولا عبرة بوزنه. والحاصل أن هناك إهمالا للمسألة من لدن الجمهور. وبعض الدعاوى التي رفعت أمام القضاء لفرض الاحترام اللازم للغة الرسمية بقيت بلا عواقب. وهناك فتور من لدن القائمين على تطبيق القوانين، وهناك أخيرا نوع من المهاترة أخذت تكتنف الخوض في مثل هذه الأمور.

إن التذمر الذي يثيره هذا الاكتساح المغالى فيه للفرنسية يرجع إلى أنه يكسر التوازن الذي لابد من احترامه، في بلد له تاريخه وله كرامته. ولابد من حفظ المكان والمكانة اللازمتين للغة الرسمية، الأمر الذي لا يتعارض مع الحضور الفرنسي اللغوي والثقافي الذي أصبح من مكونات رأس المالي الثقافي والسياسي المعاصر للمغرب.

فقد راكم المغرب من خلال الاحتكاك الذي حدث له مع الفرنسية لغة وثقافة، عبر عقود من الزمن في القرن الماضي، رصيدا تملي المصلحة أن يصان وأن ينمى. لأن هذا الرصيد أهل المغرب للقيام بدور نشيط في حظيرة المتوسط. وهو دور تساعد عليه الإسبانية بكيفية تكميلية. كما أن ذلك الرصيد المتراكم يؤهله للقيام بدور ملموس في إفريقيا الناطقة بالفرنسية. وهذا شيء مقبول بل مطلوب. ثم إنه أصبحت لنا مع فرنسا أواصر حميمية نشأت عنها انشغالات مشتركة معها. ومن ذلك أن كل ما تصنعه فرنسا في واجهة الدفاع عن التنوع اللغوي في عالم ينجرف نحو الأمركة، يفيدنا نحن لنفس الحجج التي تستعمل هي في معركة «الاستثناء الثقافي»، لكي ندافع عن خصوصيتنا العربية الأمازيغية الصحراوية الإفريقية.


محمد العربي المساري
الشرق الأوسط / بتصرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق