الجمعة، 27 مارس 2009

مع الأمانة .. (4)

أعود لاستكمال سلسلة المواضيع عن الأمانة وهذه المرة مع مقتطفات من فقرة خصصها الشيخ محمد الغزالي لخلق لأمانة في كتابه خلق المسلم ...


خلق الأمانة

- العوام يقصرون الأمانة في أضيق معانيها وآخرها ترتيبا ، وهو حفظ الودائع مع أن حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته الأولى قبل البعثة يلقب بين قومه بالأمين .

- وكذلك شوهدت مخايل الأمانة على موسى حين سقى لابنتي الرجل الصالح ورفق بهما ، واحترم أنوتثتهما ، وكان معهما عفيفا شريفا : "فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ 24 فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 25 قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ 26 "سورة القصص
وقد حدث هذا قبل أن ينبأ موسى ويرسل إلى فرعون .
ولا غرو فرسل الله يُختارون من أشرف الناس طباعا وأزكاهم معادنا ، والنفس التي تظل معتصمة بالفضيلة - على شدة الفقر ووحشة الغربة - هي لرجل قوي أمين !والمحافظة على حقوق الله وحقوق العباد ، تتطلب خلقا لا يتغير باختلاف الأيام بين نُعْمى وبُؤْسى ، وذلك جوهر الأمانة .

- ومن معاني الأمانة وضع كل شيء في المكان الجدير به ، واللائق له ، فلايسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به ، ولا تملأ وظيفة إلا بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها ..

- ومن معاني الأمانة أن يحرص المرء على أداء واجبه كاملا في العمل الذي يناط به ، وأن يستنفد جهده في إبلاغه تمام الإحسان . أجل إنها الأمانة يمجدها الإسلام :أن يُخلص الرجل لشغله وأن يُعنى بإجادته ، وأن يسهر على حقوق الناس التي وضعت بين يديه ، فإن استهانة الفرد بما كلف به - وإن كان تافها - تستتْبِع شيوعَ التفريط في حياة الجماعة كلها ، ثم استشراءَ الفساد في كيان الأمة وتداعيه برمته.

- ومن الأمانة أن تنظر إلى حواسك التي أنعم الله بها عليك ، وإلى المواهب التي خصك الله بها ، وإلى ما حُبيتَ من أموال وأولاد ، فتدرك أنها ودائع الله الغالية عندك ، فيجب ان تسخرها في قرباته ، وان تستخدمها في مرضاته .فإن امتحنت بنقص شيء منها ، فلا يستخفنك الجزع متوهما أن ملكك المحض قد سلب منك فالله أولى بِكَ منك ، وأولى بما أفاء عليك ، وله ما أخذ وله ما أعطى !

- والأمانة التي تدعو إلى رعاية الحقوق ، وتعصم عن الدنايا ، لا تكون بهذه المثابة إلا إذا استقرت في وجدان المرء ، ورست في أعماقه وهيمنت على الداني والقاصي من مشاعره ..!
وذاك معنى حديث حذيفة بن اليمان عن رسول الله :" إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ثم نزل القرآن ، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة "رواه مسلم

- إن الامانة فضيلة ضخمة ، لا يستطيع حملها الرجال المهازيل .وقد ضرب الله المثل لضخامتها ، فأبان أنها تثقل كاهل الوجود كله فلا ينبغي للإنسان ان يستهين بها ، أو يفرط في حقها .
قال الله تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} سورة الأحزاب الآية 72


المصدر:
خلق المسلم / محمد الغزالي
بتصرف

اقرأ أيضا :

تعريف الأمانة
لفظ الامانة في القرآن
أداء الأمانة


0 التعليقات:

إرسال تعليق