الجمعة، 20 مارس 2009

الإلهام.. صفاء ومحبة

أذكر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قصتين تعتبران من كراماته ، إحداهما عن تنبئه بأن أبا لؤلؤة المجوسي سيقتله ، وكان قاتلَه بالفعل ، وهذه القصة التي تناولتها الكاتبة عائشة الحكمي في هذا المقال محاولة ربطها بتفسيرات العلم الحديث، وخلصت إلى أنها ظاهرة عفوية وفجائية وليست إرادية، لذا لا يمكن التخطيط لها أو التحكم فيها، لأنها بأمر الله تعالى ..

الإلهام.. صفاء ومحبة/عائشة الحكمي

خطب عمر بن الخطاب بالمدينة يوم جمعة فقال في خطبته: يا سارية بن حصن.. الجبل.. الجبل!.. ظلم من استرعى الذئب الغنم! فالتفت الناس بعضهم إلى بعض فلم يفهموا مراده، فلما قضى صلاته قال له علي بن أبي طالب: ما هذا الذي قلته؟
قال: وسمعته؟
قال: نعم، أنا وكل من في المسجد!
قال: وقع في خلَدي أن المشركين هزموا إخواننا، وركبوا أكتافهم، وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوه وظفروا، وإن جاوزوه هلكوا، فخرج مني هذا الكلام!
فجاء البشير بعد شهر، فذكَر أنهم سمعوا في ذلك اليوم، وتلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتاً يشبه صوت عمر يقول: يا سارية بن حصن.. الجبل! الجبل! فعدلنا إليه ففتح الله علينا!
وقد وقعت هذه الحادثة حينما غزا سعد بن أبي وقاص الفرس في موقعة القادسية.

كرامة وتخاطر

يصعب تصديق مثل هذه الأمور لو قرأناها في كتب الغرب، أمّا والقصة للفاروق عمر -رضي الله عنه- فهذا يجعلنا نعيد النظر ونقلب الفكر، خصوصاً وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد شهد لعمر بالإلهام الذي يُسمَى صاحبه المحدَّث، وقال رسول صلى الله عليه وسلم: "قد كان يكون في الأمم محدّثون، فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب". رواه ابن حبان.

سيكولوجيًا يسمى ذلك الاتصال الفكري الذي دار بين عمر بن الخطاب وسارية بن حصن بالتخاطر أو الشعور عن بعد (Telepathy )، وهو عبارة عن اتصال وتبادل للأفكار بين عقلين دون تدخل من جانب الإدراك الحسي العادي، وتُعدّ من الكرامات والقدرات الخارقة التي وهبها الله للناس، ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه "الفراسة": "وكما أن النفس تقدر على معرفة الغيوب في وقت النوم، فكذلك النفس المشرقة الصافية قد تقدر على معرفة المغيبات حال اليقظة".

لكن قلة من الناس من يلتفت إليها، على الرغم من أنها قد حدثت مع الجميع ولو مرة واحدة في العمر، خصوصاً فيما بين المحبّين والمقربين، حيث تشفّ الأرواح وتأتلف فيما بينهم، وتصفو النفوس لتمحو في طريقها كل الحواجز ومعوقات الاتصال، تاركةً الدرب سالكاً ومعبّداً بين العقلين المحبّين ليسهل بينهما تبادل الأفكار والمشاعر والأحاسيس.. عبر طاقات العقل اللا متناهية التي لا يعلم كنهها إلاّ الله عز وجل.

ظاهرة عفوية

من المهم أن نعلم أن هذه المهارة لا تحدث في ظل طقوس معينة كما يظن البعض أو يفعل الكثير حتى من علماء النفس أنفسهم، حين حاولوا إخضاع مثل هذه الظاهرة للتجريب المعملي، وكانت النتائج في أكثر الأحيان إما أن تنتهي بالفشل أو على الأقل لا تأتي بالنتيجة المرجوّة، والسبب في ذلك أن هذه الظاهرة عفوية وفجائية وليست إرادية، لذا لا يمكن التخطيط لها، أو التحكم فيها.

لكن يميزها أنها قد تنشط عند الشعور بالخطر، مع توفر درجة من الصفاء الذهني والشفافية، إضافة إلى وجود طرفين محبّين تتلاقى معهما الأرواح لتبادل الرسائل الفكرية والإشارات الحسية بأمر الله تعالى.

المصدر :
الإسلام اليوم

0 التعليقات:

إرسال تعليق