لعل تربية الأبناء أصبحت من الوظائف الصعبة, و أصبح معها المربون ( آباء و أمهات ) بين خيارين :
خيار الاستقالة من وظيفة التربية و ترك الحبل على الغارب , أو خيار القبضة الحديدية و المتابعة اللصيقة للأبناء مما يؤدي إلى نتائج معكوسة . ولعلنا اليوم نفتقد إلى مهارات التربية افتقاد الضمآن إلى الماء الزلل . فكثيرة هي الكتب التي تؤصل للتربية كعلم وفن وتتحدث عن أهميتها …ولكن نادرا جدا ما نعثر على كتاب يتحدث عن مهارات عملية للتربية .
في هذا المقال سنحاول بإذن الله ملامسة بعض القضايا التربوية ملامسة إجرائية دون الدخول في التعريفات الأكاديمية ..
1\ هل نعرف أبناءنا حق المعرفة ؟
من منا لا يعرف ابنه ؟ اسمه , تاريخ ولادته , طوله وزنه … لكن ليس هذا هو المقصود . فمعرفة الابن تعني بالاضافة إلى هذا و ذاك معرفة ميولاته و اهتماماته و أفكاره .. وهذا النوع من المعرفة لن يحصل عند المربي إلا بالتواصل مع الابن . و المقصود بالتواصل هو مصاحبة الابن و ربطه بعلاقة الصداقة و الحديث معه في أمور عامة اجتماعية و رياضية و سياسية و اقتصادية .. هذا النوع من التواصل سيمكن المربي من معرفة شخصية الابن : كيف يفكر , ماذا يريد , ما هي اهتماماته …
وللأسف فبعض الدراسات أثبتت أن تواصل المربين مع الأبناء لا يرقى إلى المستوى المطلوب بل ولا يتعدى بضعة دقائق يوميا . و تبقى إيطاليا هي أول دولة يتواصل فيها الآباء مع أبنائهم بمعدل 15 د في اليوم .
2\ كيف تعبر عن حبك لابنك ؟
إن مسالة الحب المتبادل بين الآباء و الآبناء أصبحت تطرح أكثر من سؤال في وقتنا الراهن , فإذا كان كل من الآباء و الأمهات يحبون أبناءهم بالفطرة ,فإن التعبير عن هذه العاطفة اتجاه الأبناء ليس بالأمر البديهي , و البوح به لا يخلو من فوائد . فما هي أخي المربي آخر مرة أخبرت ابنك بحبك له ؟إذ لا يكفي أن نحب أبناءنا لكن ضروري كذلك أن نخبرهم بحبنا لهم وذلك بشتى الوسائل منها :
1\ أن نشجعهم و نقدر مجهوداتهم في الدراسة كما في اللعب و باقي الميادين .
2\ أن تبني معهم التاريخ المشترك كأن تخرج ألبوم الصور العائلي و تحكي لهم بعض القصص عن الفترة التي لم يعيشونها معك .
3\ أن نحترم قراراتهم في اختيار اللباس و الاكل و كل مايتعلق بالذوق عموما دون مخالفة الشرع
4\ اصغ إلى ابنك وركز انتباهك نحوه عندما يحدثك . و لا تحاوره و انت منشغل مثلا بالتلفاز أو قراءة الجريدة …
5\ احضن أولادك و قبلهم وقل لهم أنك تحبهم .. فالطفل يحتاج أربع ضمات في اليوم ليعيش و ثمان ضمات في اليوم لينمو .
وأخيرا أخي المربي لا تفتر عن بعث رسائل إيجابية لأبنائك سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة كأن تخبرهم بأنهم أذكياء و متفوقون و متفاهمون …و حذار من الرسائل السلية كأن تكثر من ذكر اخفاقاتهم أو تصفهم بالغباء …
وتذكر أن ابنك مخلوق ضعيف قليل التجارب لا حول له و لا قوة … فلا تحمله ما لا يطيق , وتذكر دائما قول الله عز و جل ( و كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ).
3\حاجات الأبناء :
يمكن تعريف الحاجة بكونها حالة من النقص و الاضطراب الجسمي و النفسي و التي إن لم تلق إشباعا أثارت لدى المرء نوعا من التوتر و القلق و الضيق . و بالرجوع إلى هرم ماسلو في ترتيب الحاجات يمكن اعتبار الحاجة الايمانية و حاجة الابن إلى التقدير و الاعتبار و الحاجة إلى الانتماء
و الحب و القبول أهم الحاجات التي قد يغفل عنها الآباء .
صحيح أن الآباء لا يألون جهدا من أجل توفير الحاجات الأولية أو الفيزيولوجية لأبنائهم مثل التغدية و التطبيب و الاستتقرارو الملبس , ولكن قد يغفل كثير منهم عن حاجات الأبناء النفسية و الروحية .
فظاهرة الحريك مثلا التي تسيطر على كثير من عقول أبنائنا مردها إلى عدم اشباع حاجة الانتماء عند الابن منذ نعومة أظفاره : انتماؤه للاسرة , انتماؤه للحي , للمدينة ثم انتماؤه للوطن و الأمة
أما تلبية الحاجة الايمانية عند الطفل فهي صمام الأمان من كل الانحرافات السلوكية و العقدية التي تهدده , فتلقين الولد مبادئ الاسلام السمحة و الوسطية و الاعتدال منذ الصغر تحميه من كل تطرف ديني أو غير ديني .
4\كيف تجعل ابنك يطيعك ؟
قبل أن نباشر الكلام على قواعد تجعل الأبناء بارين بآبائهم , تذكر أخي المربي أختي المربية أن الجزء المهم من ابنك لم يكتمل بعد , وهو نضجه العقلي و العاطفي و الجسمي , ومن ثم فأنت تتوفر على الوقت الكافي للتربية . و تذكر كذلك أن ابنك ضعيف و قليل الخبرة في الحياة كما أنه في مرحلة تجعله كثير التقلبات .
ومن ثم لكي تساعد ابنك على طاعتك :
&\ حاول ألا تجعل رضاك عنه متوقفا على أمر واحد كالنجاح في الدراسة مثلا , بل ارض عنه و شجعه إذا رأيته مواضبا على صلاته مثلا أو كل عمل حسن .
&\ احذر الاكثار من اللوم و العتاب و النقد الهدام , وعليك احترام قدراته , واعلم أن طاقته غير طاقتك , , واجعل نفسك دائما في مكانه لتحس به أكثر .
& \علمه و لا تعنفه عملا بحديث سيد المرسلين عليه الصلاة و السلام ( علموا و لا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ).
&\ تقبل ابنك كما هو بحسناته و سيئاته … و لا تنسى أن تقابل ابنك بالابتسامة و طلاقة الوجه , فإذا كان تبسمك في وجه أخيك صدقة , فأولى أن تبتسم في وجه ابنك , فالابتسامة تكسر كل القيود و تجعل الأرواح تحلق عاليا متعانقة في سماء الحب و المودة الأسرية .
وأخير أخي المربي أختي المربية لا بد من بناء علاقة جيدة مع الابن مبنية على التفاهم و المودة
و الرحمة و التقدير , و قد ثبت ان ثمار مثل هذه العلاقة تكون سرعة انجاز العمل المطلوب .
وتذكر :
1\أن الابن يمتلك قدرة كبيرة على تحمل والديه , فهو أطول منهما نفسا إذا تعلق الأمر بالعناد و التحدي .
2\ أن الثناء و التقدير يؤثران في سلوك الابن أكثر من التوبيخ و الزجر .
3\ ابنك يحب الأمور الجديدة و يحب تعلمها دون إكراه أو غضب ..
5\ماهي مميزات المربي الإيجابي ؟
المقصود بالمربي الايجابي من يبحث عن أنجع السبل و أحسنها لتربية أبنائه , و إيصالهم إلى الهدف المنشود دون أن يترك في حياتهم الاجتماعية و النفسية جراحا قد يعانون منها طوال حياتهم .
سنقف حسب ما يسمح به المقال عند ثلاث مميزات أساسية للمربي الايجابي :
1\ المربي الايجابي هو الذي يتعامل بعقلية المربي :
و مع أن هذا الأمر يبدو بديهيا إلا أن الكثير من الآباء و الأمهات يتعاملون بعقليات مختلفة عن عقلية المربي . يقول د. مصطفى أبو السعد إن من المربين من يتعامل بعقلية القاضي , ومهمة القاضي الرئيسية كما نعلم هي إصدار الأحكام على المتهم , ومن ثم فلا غرابة أن نجد مربيا لا يمل من إصدار أحكام على ابنه : أنت كذاب , أنت غبي , أنت ضعيف …. ومع أن الابن قد يكون كذب مرة لسبب من الاسباب قد يكون مشروعا نفسيا كحماية النفس مثلا , الا أن الأب قد أصدر حكمه النهائي على الابن بأنه كذاب . ومع تكرار هذا النعت طوال الوقت على مسامع الابن فإنه فعلا يصبح كذابا . لأن عقله الباطن برمج على الكذب من شدة ترداد هذه الصفة . لذلك أخي المربي سامح ابنك إذا أخطأ و لا تتسرع في إصدار الاحكام .
من الآباء كذلك من يتعامل بعقلية المحقق , ومن مهام المحقق الرئيسية كثرة الآسئلة
و الاستفسارات مع الأبناء : أين كنت ؟ أين ذهبت ؟ لماذا فعلت ؟ لماذا لم تفعل ؟ …فيرهق عقل الابن بكثرة الاسئلة التي تحمل في طياتها الكثير من اللوم و العتاب .
وهذا النوع من التعامل مع الأبناء يجعل هذا الأخير محبطا و كثير التوجس بل و فاشلا في حياته بسب خوفه من أن يفعل فيقال له لم فعلت , أو لا يفعل فيقال له لمذا لم تفعل ؟ ؟..
ومن الآباء كذلك من يتعامل بعقلية السجان , وهو الذي يتقن ثقافة المنع على صيغة : لا تفعل \ أو افعل . ..إما لشدة حبه لابنه و خوفه المبالغ فيه أو لأسباب أخرى , فيمنع ابنه من كل شيئ. و الصواب هو أن نربي أبنائنا على ثقافة المناعة لا ثقافة المنع .
هذه أخي المربي أختي المربية ثلاث عقليات قد يتعامل بها المربي من حيث يدري أو لا يدري .
2\و المربي الايجابي هو الذي يطبق قاعدة : حول و لا تبتر.
وذلك بعدم بتر السلوك غير المرغوب فيه عند الطفل وهي قاعدة ذهبية في تربية الأبناء , فعندما نسعى إلى تغيير السلوك الغير المرغوب فيه عند الابن بطريقة عنيفة و فضة , فإن هذا السلوك قد يختفي ظاهريا و مؤقتا أمام التهديد و التعنيف , لكنه لا يلبث أن يظهر من جديد و بقوة عندما تتهيء له الظروف , ذلك أن السلوك ما هو سوى نتيجة لمعتقد أو فكرة في عقل الابن , وإذا لم نعمل على تغيير المعتقد و الذي غالبا ما يتحول إلى شعور و عاطفة ومن ثمة إلى سلوك . فإن النتيجة تكون هي كبت هذا السلوك و تشجيعه على الترعرع في الخفاء .
لذلك فالمربي الايجابي هو الذي يسعى إلى الاقناع بشتى الوسائل بدل أن يبتر السلوك . وهذه العملية تتطلب الكثير من الوقت و الجهد , فإذا كان مرض بسيط كالزكام يتطلب مثلا أسبوعا لكي يشفى منه الابن , فإن السلوك المتجذر في حياة الابن يتطلب على الأقل سنة أو أكثر لكي يختفي من حياة الابن و لكن بدون عنف و بأسلوب الاقناع و تحويل اهتمامه إلى نشاط آخر .
فالصلاة مثلا عبادة وركن اساسي من أركان الاسلام,والابن إذا لم يقتنع بهذا الامر فإن المربي سيجد صعوبة ليكرس فريضة الصلاة في حياة الابن , بمعنى أن قناعة الابن لم تكتمل ولم تحصل بكون الصلاة فريضة ربانية …ومن ثم فهو قد يمارسها كسلوك خوفا من العقاب , ويتركها بمجرد اختفاء رقابة المربي . و الصواب هو أن نحبب أبناءنا في الصلاة كعبادة وفريضة ربانية يحبنا الله تبارك و تعالى إذا أديناها … صحيح أن الرسول صلى الله عليه و سلم أمرنا ان نضرب الأطفال عند بلوغهم عشر سنوات إذا امتنعوا عن الصلاة , ولكن الضرب المقصود به هنا هو إشعار الابن أن أمر الصلاة هو جد لا تساهل فيه , فإذا حصل ذلك في ذهن الابن فلا داعي لضرب الابن حتى لا يتحول إلى كره للصلاة لا قدر الله .
فقاعدة (حول و لا تبتر ) إذن تستدعي من المربي أن يحول السلوك الغير المرغوب فيه و لا يبتره وذلك عن طريق الاقناع و التحبيب و التحفيز .
3\ و المربي الايجابي هو الذي يتعامل بحب و مودة مع المتربي .
و للحب علامات يجب على المربي أن ينتبه لها أبا كان أو أما , منها : أن الابن يقلد من يحب , ومن ثم فهو يقلد اباه أو البنت تقلد امها إذا شعرا اتجاههما بعاطفة الحب . وهو يستشير أبواه في اموره الخاصة بل و يريد دائما ان يكون معهما و بالقرب منهما , ويسعد باللعب معهما , وهو كذلك يسيئه ما يسيئهما و يفرح لما يفرحهما , هذا إذا شعر بحبهما له .
هذه أخي المربي أختي المربية مجموعة من الأفكار الاجرائية و العملية نحسبها ممكنة التطبيق مع الأبناء وذلك لكي يتسنى لنا إنجاح الفعل التربوي معهم في زمن أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه زمن العولمة .
ذ. محمد عواد
0 التعليقات:
إرسال تعليق