مقدمة:
ينص الميثاق الوطني للتربية والتكوين في المادة 64 على ما يلي ″يلتحق بالمدرسة الابتدائية الأطفال الوافدون من التعليم الأولي بما فيه الكتاتيب القرآنية. وبصفة انتقالية الأطفال الذين لم يستفيدوا من التعليم الأولي والذين بلغوا ست سنوات كاملة من العمر. يستغرق التعليم بالمدرسة الابتدائية ست سنوات موزعة على سلكين سيتم التطرق من خلال الموضوع الحالي إلى التعليم بالوسط القروي حيث يتناول وضعية الطفل من حيث مدى استفادته من التعليم الأولي، أو الكتاتيب القرآنية، مع التركيز على التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي بسلكيه، وذلك من حيث الموقع الجغرافي للمدرسة المركزية في علاقتها بالمدارس الفرعية، والمدرسة الثانوية في علاقتها بالمدرسة الابتدائية، وواقع التمدرس بهذه المؤسسات التعليمية القروية، ومردوديتها المدرسية. وانطلاقا مما يحتمه الواجب الوطني، ومن الواقع المدرسي المعيش ، وتوخيا لإرساء أسس متينة لإصلاح التعليم وتنميته وتطويره، نتقدم ببعض المقترحات، نتمنى أن تسهم في النهوض بالمجالات الحياتية ذات الصلة الوطيدة بالتعليم، خصوصا، بالوسط القروي. ونستدعي من خلال هذه المقالة المتواضعة القراء الكرام، ومن أعلى هذا المنبر المحترم، المشاركة بآرائهم واقتراحاتهم، التي تعتبر نبراسا نهتدي به، ونسير في ضوءه نحو إصلاح تعليمي شامل وفعال. لقد ركزت مختلف التقارير، وعلى رأسها تقرير المجلس الأعلى للتعليم، على ضعف المردودية الداخلية للمدرسة الابتدائية بالوسط القروي. كما كشفت عن ضعف مهول بخصوص تحكم التلاميذ في المعارف والكفايات الأساسية (القراءة والكتابة والحساب)، الشيء الذي يؤدي بشكل مباشر إلى الفشل الدراسي والانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة. كما بينت كذلك هذه التقارير أن نسبة كبيرة من تلاميذ الوسط القروي يغادرون المدرسة الابتدائية دون مستوى معرفي ولا تأهيل مهني، الشيء الذي يساهم في رفع نسبة الهدر المدرسي بشكل مهول، حيث يغادر المدرسة بشكل عام، حسب نفس المصادر، قرابة 390000 تلميذة وتلميذا كل سنة، نصفهم من التعليم الابتدائي. فما هي أسباب تدهور التمدرس بالوسط القروي؟ وما موقع المدرسة الابتدائية المركزية والفرعية جغرافيا في علاقتها بالجماعة القروية؟ وما موقع المدرسة الابتدائية الثانوية جغرافيا في علاقتها بالجماعة القروية؟ وما هي ظروف المدرسين بالوسط القروي؟ وما هي ظروف تمدرس الأطفال بالوسط القروي؟ وما هي السبل لتحسين التمدرس بالوسط القروي وتنميته وتطويره وضمان استمرار تمدرس التلاميذ دون هدر مدرسي إلى غاية حصولهم على شهادة الدروس الابتدائية وشهادة التعليم الثانوي الإعدادي وشهادة البكالوريا وتأهيلهم للتعليم الجامعي ومؤسسات تكوين الأطر على قدم من المساواة مع تلاميذ وطلاب الوسط الحضري؟
I.الموقع الجغرافي للمدرسة الابتدائية بالوسط القروي:
تضم الجماعة القروية عددا من المدارس المركزية، وكل مدرسة مركزية يدور في فلكها عدد من المدارس الفرعية حسب القرى والدواوير والمداشر المنتشرة بهذه الجماعة القروية. وقد تبعد المدرسة الفرعية عن المركزية بعشرات الكيلومترات. وتتموقع المدرسة المركزية والفرعية بالوسط القروي، حسب مزايدات الانتخابات ورؤساء الجماعات القروية والمستشارين الجماعيين والتخطيط المدرسي، في نقطة تلاقي المسافات الفاصلة بينها وبين مجموعة من القرى مختلفة الحجم السكاني والدواوير والمداشر. وقد تفوق المسافة التي يقطعها التلاميذ يوميا عشرة كيلومترات. وغالبا ما تضم المدرسة المركزية جميع المستويات التعليمية الابتدائية بأعداد التلاميذ مختلفة قد ترتفع وقد تنخفض بكل قسم موزعة على مدرسين معربين منهم ومزدوجين. أما المدرسة الفرعية، فيمكن أن تضم جميع المسويات التعليمية، لكن الأقسام في الغالب غير مستقلة بل مشتركة، حيث يسند إلى المدرسين العاملين بكل فرعية عدة مستويات يعملون مع تلامذتها بشكل جماعي. ويفوق عدد المدرسين، في الغالب، اثنين بكل فرعية. ويتم إحداث المدارس الفرعية بدواوير أو مداشر معزولة داخل الجماعة القروية، فلا طرقا معبدة ولا مسالك واصلة، ولا كهربة ولا مدا لقنوات المياه الصالحة للشرب ولا قنوات لصرف المياه.
II. الموقع الجغرافي للمدرسة الثانوية بالوسط القروي:
يوجد، على الصعيد الوطني، عدة جماعات قروية مترامية الأطراف، تمتد على مساحة شاسعة وتضم عدة قرى ودواوير ومداشر متفاوتة الحجم والكثافة السكانية. ولتقريب خدمات التعليم الثانوي من التلاميذ الحاصلين على الشهادة الابتدائية، بادرت الوزارة الوصية والسلطات العمومية والجماعات القروية بإحداث مدارس ثانوية إعدادية، في بعض القرى، تستقبل التلاميذ الوافدين من عدة مدارس ابتدائية. ومعلوم أن القرية التي تقام على ترابها المدرسة الثانوية الإعدادية تفصلها عن القرى التي يفد منها التلاميذ عدة كيلومترات، تفوق في الغالب العشرة. ومعلوم كذلك أن المدرسة الثانوية الإعدادية لا تتوفر في الغالب على داخلية تضمن الغذاء والإيواء للتلاميذ، خصوصا غير القاطنين، بالقرية التي توجد بها المؤسسة التعليمية. ومعلوم كذلك أن أغلب القرى معزولة بعضها عن بعض، تتميز بصعوبة التضاريس ووعورة المسالك وغياب وسائل النقل، كما تتميز بمناخ جد متقلب: الحر صيفا، والأمطار والرياح والعواصف المطرية والثلوج شتاء. في هذه الظروف المناخية يقطع التلاميذ، ذهابا وإيابا بين محلات سكناهم والمؤسسة التعليمية مسافات طوالا، يعانون الإرهاق الجسدي والأزمات النفسية.
• فكيف يتابع التلاميذ مجريات الدروس المتوالية يوميا؟
• وكيف يحققون تحصيلا دراسيا مؤهلا لتجاوز مختلق الامتحانات؟
• وما طبيعة النتائج المدرسية التي يسجلونها في آخر كل سنة دراسية، وفي نهاية السلك التعليمي؟ وللعلم، فإن الواقع أثبت، عبر سنوات متوالية أن النتائج العامة، لأغلب التلاميذ الوافدين على المدرسة الثانوية التأهيلية، تقل بكثير عن المعدل المثالي عشرة من عشرين. كما أن التلاميذ الذين يتابعون دراستهم الثانوية بالوسط القروي يحققون أضعف النتائج كما وكيفا في امتحانات نيل شهادة البكالوريا.
III. ظروف المدرسين بالوسط القروي
أغلب المدرسين يقطعون، يوميا، مسافات طوالا بين سكناهم ومقرات عملهم سواء بالمدرسة المركزية أو الفرعية، باعتماد جميع وسائل النقل المتاحة من نقل عمومي مرخص ونقل سري محظور ودواب مختلفة. علما أن هذا التنقل محفوف بمخاطر جمة، من حوادث قاتلة إلى عاهات مستديمة إلى عجز نهائي عن العمل. وقد تستغرق رحلة المدرس إلى مدرسة فرعية، خصوصا، في المناطق النائية، يوما كاملا على الأرجل أو على ظهر دابة، معرضا لكل الأخطار القاتلة، من عواصف مطرية أو رملية أو رياح عاتية إلى فيضان أنهار ووديان بأشكال مباغتة، تجرف الشجر والحجر دون سابق إنذار وفي غياب قناطر وجسور رابطة بين ضفتي النهر أو الوادي. إن معاناة المدرس، بالوسط القروي، كان يتنقل أو يقطن، شديدة. فمن يتنقل من المدرسين معرض لأخطار كثيرة ومتنوعة، ومن يقطن، يعاني الأمرين، قبل وصوله مقر عمله ومحل سكناه، وبعد وصوله، حيث غالبا ما يحول حيزا من إحدى قاعات الدرس إلى بيت للنوم وطهو الطعام والأكل، ليسيل لعاب التلاميذ الجياع منهم، وهم يتلقون الدروس. أما أثاث البيت فيثير الشفقة: طاولة، فراش، غطاء، مخدة. وأدوات الطهو لا تعدو أن تتعدى قنينة غاز وطنجرة صغيرة وبرادا أو إبريقا وكأسا وملعقة وسكينا. أما التغذية والمواد الغذائية فترتكز أساسا على القطاني وبعض المصبرات التي يتسوقها المدرس حسب بعده وقربه من الأسواق الأسبوعية. ومن المدرسين من يقتنيها من المدينة، موطن سكناه الأساسي، حين يزور عائلته أو أسرته أو أقاربه، أو من المدن القريبة من مقر عمله مرة خلال فترة زمنية غير يسيرة. أما من حيث مواكبة المستجدات التربوية والتعليمية، فلا كتبا جديدة يرجع إليها المدرس. ومن حيث تتبع الأخبار بالصوت والصورة فلا تلفازا. أما من حيث وسائل الإعلام المكتوبة فلا جرائد، باستثناء مذياع، يشتغل ببطارية دانييل أو فولتا، يمنحه شيئا من الترفيه والتسلية. أما الإنارة فتتم بواسطة قنينة الغاز أو الشمع أو أحد مشتقات البترول، التي تنعكس سلبا على الصحة الجسمية والنفسية. وتتميز مزاولة المدرس لمهنته بالمدرسة بالوسط القروي، خصوصا بالفرعية، بصعوبات جمة، سواء على صعيد التلقين أو التعامل مع التلاميذ، الذين غالبا ما يختلفون عنه من حيث الجوانب الثقافية. أما من حيث التلقين، فالعمل في إطار الأقسام المشتركة يتميز بصعوبات كثيرة، خطابات مختلفة، مصطلحات كثيرة، متطلبات التلاميذ متباينة من قسم لآخر ومن تلميذ لآخر، مع غياب التجهيزات والوسائل المساعدة، وعدم استفادة المدرس من الندوات واللقاءات التربوية والتأطيرية. أما المفتشون التربويون، فيجدون صعوبات كثيرة لزيارة المدرسين والوقوف على نوعية ممارساتهم التربوية وعلاقتهم مع التلاميذ. فلا يقومون بتأطير المدرسين وتتبع عملهم بالشكل المطلوب، حيث يواجه المدرس عدة مشاكل إدارية، لا يتم تقييم عمله إلا نادرا، ولا يستفيد من الترقيات في الوقت المناسب، وفي المدة العادية للأقدمية المطلوبة، حتى يتخيل له أنه منفي وتم نسيانه. أما المديرون، الذين يفترض فيهم مواكبة أعمال المدرسين، فلا يستطيعون زيارة المدارس الفرعية لتفقد أحوال المعلمين للرفع من معنوياتهم ومساعدتهم على القيام بواجبهم والوقوف على نوعية المشاكل التي تعترضهم، نظرا لبعد المدرسة الفرعية عن المركزية، ووعورة المسالك وخطورتها، ومباغتة الفيضانات أحيانا، وكثرة الكلاب الضالة أو حتى بعض الحيوانات المتوحشة.
IV. ظروف تمدرس الأطفال بالوسط القروي
سواء تعلق الأمر بالمدرسة المركزية أو الفرعية، وخصوصا الفرعية، فإن أغلب التلاميذ يقطعون يوميا مسافات ليست يسيرة على الأرجل وأجسامهم غضة وبنيتهم الجسمية نحيفة، مرورا بمسالك وعرة، بين الأحراش والأدغال، تكتنفها مخاطر كثيرة، الحر والغبار صيفا، والبرد والأوحال شتاء، وفيضان الوديان المباغت الذي يتهددهم بالموت في كل آن وحين، فلا قناطر ولا جسورا تسهل تنقلهم بين ضفتي الأنهار والوديان. وقد يتطلب قطع التلاميذ المسافة الفاصلة بين المدرسة ومحل سكناهم مدة زمنية ليست قليلة، قد تصل في بعض المناطق إلى ساعتين، يعانون خلالها التعب والقلق وكل الضغوطات النفسية خوفا من الأمطار والعواصف والفيضانات والكلاب التي يمكن أن تباغتهم في كل حين ودون سابق إنذار. ففي أي حالة جسمية ونفسية يصلون المدرسة؟ وفي أي ظروف يتلقون الدروس؟ وهل يستوعبون الملقن لهم؟ والحالة هذه أنهم، ينال منهم الجوع مناله كل يوم، خصوصا مع ضعف خدمات المطاعم المدرسية، أو عدم وجودها ببعض المدارس الفرعية، ويفكرون في كل لحظة في العودة إلى منازلهم، وفي معاناة الطريق والمسالك وصعوباتها ومخاطرها. وتستغرق العودة إلى المنازل وقتا، يصل التلميذ إلى منزله وقد خارت قواه ونال منه التعب مناله. في هذه الحالة، هل يراجع التلميذ دروسه؟ وهل يستطيع إنجاز واجباته المنزلية؟ يركن إلى النوم ليستيقظ غدا صباحا، يذهب إلى المدرسة، يقطع مسافة طويلة، يجلس أمام المدرس شاردا، يتخيل طريق العودة وأخطارها، وهكذا يومه كغده، وتستمر المعاناة أسبوعا بعد آخر، وشهرا بعد آخر، وينتقل في آخر السنة الدراسية !!. لا استيعابا بالشكل المطلوب، ولا تحصيلا لجل المعارف الملقنة، ولا نتائج مؤهلة لأغلبية التلاميذ، ولا مردودية مدرسية تعكس الأهداف المرجوة. وقد ورد في تقرير المجلس الأعلى للتعليم أن التلميذ المسجل بالسلك الابتدائي كي يستكمل هذا الطور يلزمه 10,4 سنوات - تلميذ عوض 6 سنوات – تلميذ الضرورية، حيث تبقى نسب الانقطاع الدراسي العامة بالتعليم الابتدائي مرتفعة إذ تبلغ في المتوسط 5,7% ، وترتفع هذه النسبة بارتفاع المستوى الدراسي(10,4% بالسنة السادسة ابتدائي سنة 2005).
V. أسس تنمية التعليم بالوسط القروي وتطويره
أسس تنمية التعليم بالوسط القروي وتطويره والاحتفاظ بالتلاميذ إلى غاية حصولهم على شهادة البكالوريا والتحاقهم بالتعليم الجامعي ومؤسسات تكوين الأطر: من خلال ما أسلف، ومن شدة معاناة المدرسين والتلاميذ بالوسط القروي، يمكن الجزم أن من خصائص المنظومة التربوية انعدام تكافؤ الفرص التعليمية، حيث يمكن ملامسة، من خلال النتائج السنوية العامة، باعتماد مقارنة بسيطة بين نتائج تلاميذ الوسطين الحضري والقروي، فوارق شاسعة من حيث الكم وكذلك من حيث الكيف. إذ يجد التلاميذ الوافدون من الوسط القروي صعوبات كبيرة في مجاراة الدروس ومواكبة ركب تلاميذ الوسط الحضري بالسنة الأولى ثانوي إعدادي ، بشهادة أغلب المدرسين. أما من حيث الجنس، فالفتاة القروية، في بعض المناطق، لا تلج المدرسة، لعدة أسباب، منها وعورة المنطقة الجغرافية وبعد المدرسة عن محل سكناها وتخوفات أولياء أمرها والثقافة المحلية. وإذا تسجلت فإنها ما تلبث أن تغادر المدرسة في سن مبكرة من أجل مساعدة أسرتها في عدة أعمال بالمنزل أو الحقل والرعي أو جلب الحطب والمياه. فكيف يمكن الاحتفاظ بالتلاميذ، بالمدرسة الابتدائية، إلى غاية حصولهم على الشهادة الابتدائية في المدة اللازمة؟ وكيف يمكن الاحتفاظ بالتلاميذ، بالمدرسة الثانوية، إلى غاية حصولهم على شهادة الدروس الإعدادية، ثم شهادة البكالوريا، في المدة اللازمة؟ وكيف يمكن تحسين مردودية التعليم بالوسط القروي كما وكيفا لضمان متابعة التلاميذ دراستهم بالتعليم الجامعي على قدم من العدل والمساواة بين جميع التلاميذ بالوسطين الحضري والقروي على الصعيد الوطني؟ إن الواقع التعليمي بالوسط القروي المأزوم وفق ما نعيشه وما نلمسه يوميا في قرانا وبوادينا المغربية ، يحتم علينا، التفكير في أساليب وحلول ناجعة لتجاوز الصعوبات التي تعاني منها المدرسة بالوسط القروي، نتيجة الظروف الموصوفة والمعروضة في الفقرات أعلاه، من أجل تمكين أطفال القرى والمداشر والدواوير النائية من متابعة دراستهم الابتدائية إلى غاية تخطيهم عتبة القسم السادس الابتدائي وتوفرهم على رصيد معرفي وتكويني مؤهل، لمواجهة متطلبات السلك التعليمي الثانوي والجامعي. واعترافا من كل المتتبعين،
لا يجادل أحد، أن الدولة والحكومة والوزارة الوصية قد أعدت برامج وخططا واستراتجيات متنوعة بناء على دراسات وتشخيصات معمقة لوضعية المدرسة بالوسط القروي من أجل تحسيس القرويين بأهمية تمدرس الأطفال وتشجيعهم على مدرسة أبنائهم، إلا أنه ومن موقعنا، كمواكبين للعملية التعليمية التعلمية، وكمهتمين بالمجال التربوي، نعتقد أهمية بعض المقترحات التي من شأنها الرفع من قيمة التمدرس وتطوير خدمات المنظومة التربوية بالوسط القروي. فبعد معايشتنا واقع التمدرس والتعليم بالوسط القروي، وبعد قيامنا بدراسات مختلفة تناولت موقع المدارس الفرعية بالنسبة للمدرسة المركزية، وتسجيل معاناة التلاميذ والمدرسين والمديرين والمفتشين والآباء والأولياء، وحيث إنه لا يمكن عزل النظام التعليمي عن مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تكونت لدينا قناعة، وتقديرا لما يمليه الواجب الوطني، للمشاركة بمقترحات قد تسهم في إصلاح منظومة التربية والتكوين ببلادنا، خصوصا بالوسط القروي، على امتداد جميع الأسلاك التعليمية، انطلاقا من التعليم الأولي، مرورا بالتعليم الابتدائي وصولا إلى التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي. فما هي شروط إرساء قواعد متينة لتعليم أولي جماعي ناجع يستفيد من خدماته جميع الأطفال بالوسط القروي؟ وما هي شروط إرساء قواعد متينة لمدرسة جماعية قروية ابتدائية وثانوية حتى يحقق التعليم بالوسط القروي الأهداف المرجوة على الصعيد الوطني؟ وما هي أسس تنمية التعليم بالوسط القروي وتطويره؟
1. من حيث البنى التحتية والتجهيزات:
من المعلوم أن كل جماعة قروية تشمل عدة قرى، تبتعد عن بعضها مسافات طوال، حيث يستغرق الذهاب من قرية إلى أخرى عدة ساعات، مشيا على الأقدام أو على ظهور البهائم، وفي أحسن الأحوال على متن سيارات غير مريحة تركض وسط الغبار المتطاير والحجر المتناثر، ووسط الأوحال والمسالك الوعرة في الثلوج وبين الوديان والأنهار التي يمكن أن تجرفها في كل حين. انطلاقا من هذا الواقع، ولتشجيع تمدرس الأطفال القرويين والاحتفاظ بهم بالأسلاك الدراسية سواء خارجيين أو داخليين، فإن الضرورة تدعو إلى:
• فك العزلة عن القرى والدواوير والمداشر وربط بعضها البعض وذلك بشق الطرق وتعبيدها ومراقبتها وصيانتها تفاديا للتلاشي والتخريب والضياع؛
•ربط التجمعات السكنية القروية، مجتمعة كانت أو متفرقة، بطرق معبدة بالمدن الكبيرة والصغيرة وتقريبها من التمدن والحضارة؛
• بناء قناطر وجسور على الوديان والأنهار رابطة بين التجمعات السكنية القروية؛
• توفير النقل العمومي والسهر على خدماته الاجتماعية، وتمكين الجماعات القروية من رخص النقل الجماعي باستعمال سيارات خفيفة وحافلات بأثمنة مدعومة تكون في متناول سكان البوادي؛
2. من حيث الجوانب الاقتصادية والمهنية:
يطلق على سكان القرى والبوادي أنهم فلاحون؛ فهل هم فلاحون فعلا؟ علما أن أغلبهم لا يمتلك قطعة أرضية فلاحية. فهم يحرثون ويزرعون وينتجون، وأي إنتاج؟ فمنهم من يزرع الزيتون ويشتري الزيت، ومنهم يحرث الأرض ويشتري الدقيق، ومنهم من يرعى الغنم والبقر والماعز والإبل وغيره ويشتري أضحية العيد أو ذبيحة أي مناسبة: إن أغلبهم بكل بساطة ينتج قوت يومه بالثلث أو الربع أو الخمس. ومنهم من يعمل أجيرا في ضيعات لا يمتلك منها شيئا، مقابل أجر لا يمكنه من حاجياته المعيشية الأساسية، فبالأحرى أن يسد مصاريف وتكلفة تمدرس أبنائه وتعليمهم من التعليم الأولي إلى أعلى مستوى دراسي يؤهلهم للحياة العملية. لهذا بات من الضروري، الاعتناء بجميع سكان البوادي والقرى وذلك بمنحهم قطعا أرضية صالحة للزراعة ومساعدتهم بالبذور والأسمدة والتقنيين المتخصصين في المجال الفلاحي والحيواني والتقنيات النباتية وبناء السدود وتوسيع مساحات الأراضي السقوية وتجهيزها وتطوير الفلاحة العصرية، للرفع من مستوى عيش القرويين حتى يستغنوا عن تشغيل أبنائهم ويوجهوهم إلى المدرسة ويتتبعوا خطواتهم التعليمية والمهنية، حتى يساهموا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وقد امتلكوا ناصية العلم والمعرفة وتمكنوا من التكنولوجيا الحديثة.
3. من حيث الوضعية الاجتماعية:
إن أغلب القرويين لا يمتلكون منازل صحية تقيهم البرد شتاء والحر صيفا، كما أنها غير موصولة بالكهرباء والماء ودورة صرف المياه، الأمر الذي يعرضهم لمختلف الأمراض التي تنهك أجسادهم وتصرفهم عن الاعتناء بأبنائهم وتسجيلهم بالمدرسة وتتبعهم. كما أنهم يشتغلون في المجال الفلاحي دون قانون شغل يحميهم شر الحوادث ودون ضمان اجتماعي يضمن حقوقهم العمالية في التقاعد والتطبيب وغير ذلك مما يحفظ كرامة الإنسان، عموما، والقروي على الأخص لتوفير له الظروف المناسبة للسهر على مدرسة أبنائه منذ التعليم الأولي إلى غاية تأهيلهم معرفيا ومهنيا.
4.من حيث الجوانب الثقافية والإعلامية:
يعاني أغلب سكان البادية الجهل والأمية، حيث إنهم يعتبرون ضحايا المدرسة التي كانت بعيدة عن محلات سكناهم أو لم تكن أصلا. واليوم وقد أتيحت لهم الخدمات التعليمية، فهل هم واعون بها وبأهمية تمدرس أبنائهم؟ إنه بات من الضروري التعريف بالتعليم الأولي والمدرسة الجماعية باعتماد جميع الوسائل البشرية والمادية من سلطات محلية ومنتخبين وإذاعة وتلفزة وجرائد محلية وجهوية ووطنية. كما أن تمكين المربين والمدرسين من الثقافية المحلية والجهوية يعتبر من أساسيات تكوينهم المهني والأكاديمي للتعايش بالوسط القروي والتواصل بكل سهولة مع القرويين على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية والثقافية.
5.من حيث الجوانب الطبية
إن أغلب القرى تفتقر للمراكز الطبية والمستشفيات، حيث تشهد الخدمات الصحية نقصا مهولا: فلا إسعاف في حينه، ولا تطبيب ولا تمريض. فالمرضى والنساء الحوامل يقطعون مسافات إما على سيارات متعبة أو على ظهور البهائم. ومن النساء من تضعن حملهن في منتصف الطريق، ومن المرضى من لا يصل المركز الطبي. لقد بات من الضروري، لضمان تمدرس الأطفال القرويين، العناية بهم صحيا، وذلك بتقريب مراكز طبية من سكان القرى، يسهر عليها أطباء وممرضون وأعوان قارون، يوفرون جميع الخدمات الطبية للمواطن القروي، ويسهمون في محاربة الأمراض التي تفتك خصوصا بالأطفال الذين تنتظرهم المدرسة والتكوين المهني والإدماج في الحياة العملية والإنتاج والمساهمة في التنمية القروية والاجتماعية عموما.
6. من حيث الجوانب التربوية والإدارية:
ولتوفير عناء تنقل المدرسين والمديرين والمفتشين، حتى يتفرغوا كليا للعمل التربوي والإداري، ويسهروا على تربية الناشئة القروية وتعليمها وتأهليها لخوض غمار الحياة مسلحة بالعلم والمعرفة ومؤهلة مهنيا ومساهمة في التنمية الاجتماعية وفق ما ينص عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكل مخططات الإصلاح التعليمي، فإنه من الأفيد بناء سكنيات إدارية ووظيفية يستفيد منها المدرسون والمديرون والمفتشون والممرضون والأعوان الساهرون على القسم الداخلي، من أجل تقريب جميع الخدمات الإدارية والتربوية والاجتماعية من التلاميذ، وفي حينها.
خاتمة:
إعداد:
نهاري امبارك
مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.
1) الميثاق الوطني للتربية والتعليم، 2000، المغرب.
2) الدكتور العربي الوافي، أي تعليم لمغرب الغد؟، الطبعة الأولى: 2005 منشورات مجلة علوم التربية-1-، مطبعة الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
3) الدكتور عبد النبي رجواني، حول الإصلاح التعليمي، مساءلة الخطاب ودعوة الاستشراف، مطبعة النجاح الجديدة،2007 ، الدار البيضاء، المغرب.
4) 50 سنة من التنمية البشرية، المغرب الممكن، تقرير الخمسينية، مطبعة دار النشر المغربية، 2006، الدار البيضاء، المغرب.
5) مجلة التربية والتكوين، الإصلاح التربوي في المغرب، العدد1، 2006 ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
وجدة سيتي
0 التعليقات:
إرسال تعليق