مات أبوها وهي في سن صغيرة ...تزوجت أمها أخ زوجها وأنجبت أبناءآخرين.كنت في صغري أعتقد أن زوج أمها هو أبوها الحقيقي ولم أكتشف أنه عمها إلا عندما كبرت وانتبهت أنها كانت تناديه عمي ..
تزوجت رجلا ميسور الحال وانتقلت للعيش في المدينة ، وقبلت أن يتزوج من أخرى ، لكن هذه الأخيرة كانت سببا في طلاقهما معا ، ليستأنف حلقة أخرى من سلسلة زيجاته ..
وجدت نفسها فجأة مطلقة مخلفة صبيين عند أبيهما وبين يديها رضيع لم يستحمله زوج أمها فاضطرت المسكينة أن تتخلى عنه لأبيه ...
مرضت لفراق صغيرها وأخويه فترة من الزمن ..لكنهااستجمعت قواها ثم قررت بعد ذلك الذهاب للمدينة للبحث عن عمل تعيل به نفسها ..
استقر بها المقام عندنا فترة من الزمن ، حينها كانت تعمل بإحدى ورشات الخياطة القريبة منا ، كنت أرافقها أحيانا لزيارة فلذات أكبادها في الأعياد حيث كنا ننتظرخروجهم إلينا لتعانقهم وتقبلهم في مشهد مؤثر لا يفارق مخيلتي كانت تأتيهم ببعض الهدايا في كل زيارة وكانت تظهر على أجسادهم الصغيرة آثار ندوب وجروح جراء سوء المعاملة أما حالتهم النفسية فكانت سيئة جدا ..
مع مرور الوقت بدأت تفكر في اكتراء غرفة لاستقبال أبنائها في الأعياد والعطل المدرسية ..وهذا ما فعلته بعد أن حصلت على عمل في أحد مصانع الألبسة براتب أحسن من راتب الورشة..كانت تعمل أيضا كخادمة في أحد البيوت في يوم أجازتها الاسبوعية ..
كبر الأولاد ..فبدأ أبوهم يطردهم الواحد تلو الآخر بحجج واهية ، فلجؤوا إلى غرفة أمهم الضيقة المظلمة والتي يتهاوى سقفها يوما بعد يوم حتى بدت قضبانه الحديدية المتآكلة ..
أصبحت المسكينة مسؤولة عن نفسها وعن ثلاثة مراهقين معرضين لشتى أنواع الانحرافات في حي سيء السمعة ..
كانت في بعض الأحيان تبحث عنهم بعد منتصف الليل إن تأخروا في العودة .
ومرة أخبرها أحد الجيران أن ابنها الذي تبحث عنه يوجد في مكان يجتمع بعض أبناء الحي للقمار ..فذهبت إليه ونقرت الباب نقرا شديدا وهي تسأل هل ابني معكم ؟ فأنكروا فقالت أخرجوا ابني وإلا أخبرت الشرطة ..
فما كان منهم إلا أن أذعنوا لطلبها ..
كان همها الأكبر آنذاك تخليص أبنائها من براثن أصدقاء السوء فكانت تمارس عليهم مراقبة لصيقة ضايقتهم ..
ورغم أنهم لم يفلحوا في دراستهم بسبب ظروفهم السيئة إلا أنها نجحت في أن يحصل أكبرهم على عمل قار في شركة ، أما الثاني فحصل على عمل في
محل تجاري ، بينما حصل أصغرهم على دبلوم في الحلاقة ..
انتقلت من الحي سيء السمعة لتكتري بعد ذلك بيتا أوسع بعد أن وسع الله لها في الرزق بعمل ولدها وبتجارة بسيطة بدأت تمترسها فتارة تبيع الألبسة وتارة الأغطية وتارة الكتب والاشرطة أمام المساجد ..وقد ساعها كثيرا استفادتها من
دروس محو الأمية حيث صارت تقرأ وتكتب وتحسب ..
سافرت إلى الديار المقدسة رفقة عمها وأمها فأصبحت تدعى الحاجة بعد أن كان بعض أقربائها يطلقون عليها هذا اللقب تهكما وكانت كلما سمعتهم تقول إن شاء الله ..
الآن تزوج إبناها الأكبر والأوسط وصار لكل واحد منهما مسكن مستقل أما هي فاقتنت مسكنا جميلا خاصا بها ولديها محلان للحلاقة تسيرهما بالإشتراك مع ابنها الأصغر ..
لم أرها يوما شاكية ولا متذمرة كانت تحمد الله على كل أحوالها....
لم تكن تبالي باستهزاء المستهزئين الذين كانوا ينعتونها بالبخل ولم تكن في حقيقة الأمر إلا امرأة مدبرة لا تنفق مالها إلا في حاجة أو ضرورة ..وضعت لنفسها هدفا أن توصل أبناءها إلى بر الأمان ورسمت لهدفها طريقا فسلكته في ثبات..
كلما تذكرت قصة هذه المرأة المكافحة إلا وتحضرني الآية الكريمة :
{ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} سورة يوسف : 90
أم عبد الرحمان
0 التعليقات:
إرسال تعليق