يعرض المصور الفوتوغرافي السويسري كريستوف شامرتان إلى غاية 9 مارس الجاري، في رواق ومكتبة "فوكال" بمدينة نيون السويسرية، معرضا للصور الفوتوغرافية، بعنوان "عبودية العصر الحديث".
يدخل المعرض ضمن عملية سرد لظاهرة غريبة أسماها شامرتان لاحقا "السجون البلاستيكية"، وهي عبارة عن صور جمعها خلال رحلة سياحية قادته إلى جنوب إسبانيا سنة 2005، ويبرز المعرض الثمن الباهظ، الذي دفعه وما يزال المهاجرون المغاربة والأفارقة السود على مدى الثلاثين سنة الأخيرة، من أجل أن يتحول إقليم المرية بالأندلس بجنوب إسبانيا من منطقة جرداء وفقيرة إلى إحدى ركائز الاقتصاد الإسباني في مطلع هذا القرن. فداخل هذه البيوت البلاستيكية، التي تغطي مساحة 35 ألف هكتار، يعاني أزيد من 100 ألف مهاجر أجنبي.
يقول الفنان السويسري" لقد كانت صدمتي قوية وأنا أعاين مظاهر الاستغلال والعبودية، وكيف أن المهاجر يشتغل أكثر من عشر ساعات في ظروف لا إنسانية".
ويضيف في حديث لـ "سويس أنفو" "أن مأساة اشتغال المهاجرين الأجانب في أوروبا تأخذ بعدا إنسانيا، فهي تمثل صدمة واستفزازا للوعي الأوروبي، مع استمرار تجاهل وسائل الإعلام وتواطؤها في كثير من الأحيان".
في معرضه، قرر شامرتان جعل آلته الفوتوغرافية، شاهدا على هذه العبودية، التي يعانيها عمال مزارع إقليم المرية. و أعرب المصور السويسري عن صدمته للمعاناة الشديدة التي يكابدها العمال المغاربة بجنوب إسبانيا، فهم "يعيشون حياة مزرية وقهر مذل، ناهيك عن الكراهية التي يكنها لهم السكان الأصليون.
إن هؤلاء الفقراء، الذين ليس بحوزتهم وثائق سفر، والذين يعملون بشكل مؤقت في إنتاج الخضروات، هم منبوذون من السكان الأصليين، ويضطرون بسبب الضيق والفاقة إلى الاستقرار في بيوت من البلاستيك أو الورق المقوى على مقربة من المزارع، خارج المدن".
سمحت الرحلات الاستكشافية، التي قام بها المصور السويسري ودام بعضها أزيد من شهر، بمعايشة الواقع عن قرب وتوثيقه عبر المئات من الصور الفوتوغرافية وتسجيلات الفيديو، ليخلص في نهاية المطاف إلى القول "إن العمال المغاربة والأفارقة المتحدرين من بلدان غرب إفريقيا، يتعرضون للكثير من الاستفزاز، ومن العنف اللفظي والجسدي، إضافة إلى ما يلاقونه من استغلال".
يتذكر كريستوف شامرتان، اليوم الذي كان فيه رفقة أحد العمال المغاربة بالمنطقة، حين ذهبا لاحتساء القهوة في إحدى القرى المجاورة، وكيف أنهما عندما دخلا إلى المحل تعالت صيحات الاحتجاج، ورفض النادل تقديم قهوة للعامل المغربي، ومن خلال ما عاشه وعاينه، يؤكد شامرتان بأن مشاعر الكراهية لدى الإسبان، هي أقوى وأشد تجاه مواطني المغرب العربي من أي جالية أخرى، ويتفاقم هذا الشعور أكثر إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الطابع المحافظ للمجتمع الإسباني، وتشبث المزارعين فيه بالأرض.
وتبرز المعارض الفوتوغرافية، التي تنظم في العديد من المدن الأوروبية الناطقة بالفرنسية لحالة الانطواء والانعزال المشحون بالقلق لدى هذه الفئة، التي تعاني من تردي أوضاع المعيشة وظروف السكن، والابتعاد عن الوطن والأهل، وتفتقر للاستقرار في العمل مسكونة بمشاعر الخوف لفقدانها لوثائق سفر أو رخص إقامة، هذا إضافة إلى حالة الانتظار التي لا يعلم أحد الوقت الذي ستستغرقه.
أثار هذا الوضع الصعب صدمة كريستوف شامرتان أولا، لأن الكثير من هؤلاء المغاربة والأفارقة ما يزالون رغم الحقائق المؤلمة والظروف المزرية التي يعيشونها، يحلمون "بالإلدورادو الأوروبي، وثانيا، وجود هذه "الجزر اللاإنسانية" على أرض إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تسمح باستعباد هؤلاء العمال، أن أوروبا تتغنى بأنها قد انتهت منه منذ مئات السنين، ورغم القساوة التي تتسم بها الصور الوثائقية التي التقطها المصور الفوتوغرافي السويسري، إلا أنها لن تثني أبناء الشمال الإفريقي والقارة السمراء عن ركوب الأمواج، والتطلع إلى شمال البحر الأبيض المتوسط.
وبالنسبة لشامرتان فإن الصمت الأوروبي راجع إلى كون مصلحة أوروبا الموحدة تقتضي تركز الإنتاج الزراعي في مناطق معينة في إيطاليا وهولندا وإسبانيا، حيث توجد اليد العاملة الرخيصة، ما يساعد على التقليل من تكلفة الإنتاج.
وأمام تردد الإعلام عن كشف هذه الفظائع، وعدم تدخل الجهات الحكومية في إسبانيا لمعالجة هذه الأوضاع، لا يتردد كريستوف شامرتان، في التأكيد على وجود تواطؤ وإرادة سياسية حقيقية تعمل على استمرار هذا الواقع اللاإنساني لأن أغلب ملاك الأراضي في المنطقة هم من المسؤولين الحكوميين أو من النواب المنتخبين.
بل إن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ أن عامة المواطنين الإسبان مستفيدون من هذا الوضع الشاذ حسب رأيه، لقد أصبحوا من الميسورين، ومن ملاك السيارات الفارهة بعد أن كان هذا الإقليم من أفقر المناطق في أوروبا، مثلما يقول شامرتان.
كريستوف شامرتان
كريستوف شامرتان، مصور سويسري ولد في باليزيو، بكانتون فو. حاصل على دبلوم فني خاص في مجال فن التصوير. واستكمل تكوينه عبر القيام بالعديد من الرحلات إلى المكسيك، والمغرب وأوروبا الشرقية.
يعمل شامرتان حاليا مصورا فوتوغرافيا مستقلا، ينشر أعماله في العديد من الصحف السويسرية، ويشارك في كثير من المعارض الثقافية في أوروبا الغربية.
انضم للعمل سنة 2001 إلى "ريزو"، وهي وكالة تصوير تعمل في جنيف. ويركز أغلب أعماله حول القضايا المرتبطة بالهجرة والزراعة.
حصل شامرتان على العديد من الجوائز القيمة من أبرزها: جائزة المكتبة الوطنية الفرنسية سنة 2009، وجائزة أحسن صورة شخصية portrait في سويسرا سنة 2003، وجائزة زينيث التي يمنحها تلفزيون سويسرا الروماندية سنة 1996، وجائزة مسابقة الشباب، التي يمنحها مصرف كانتون فو BCV سنة 1988.
******************
شاهد ايضا في موقع swissinfo.ch ، معرضا لصور "البيوت البلاستيكية " للمصور شامرتان ..
هنـــــــا
0 التعليقات:
إرسال تعليق