رغم تأكيد الدكتور أوس الرمال على أن الإحتفال بالمولد هو ممّا لم يثبت فِعلُه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا عن الصّحابة والتّابعين، وبالتّالي فهو في حكم ''التّرك'' ، إلا أنه يعود ليقول بأنه بات من المُلِحّ على المسلمين اليوم أن لا يتركوا فرصةً مناسِبة إلاّ استثمروها في تأكيد حبّهم وولائهم الشّديد لنبيّهم وتعلّقهم بدينهم واستعدادهم للذّود عنه بكلّ غال ونفيس.
ويبقى السؤال المطروح هو كيفبة الاحتفال بهذه الذكرى،وهوما يجيب عنه الدكتورالرمال في هذا المقال ...
ذكرى المولد النبوي بين الاحتفالات الفلكلورية والدروس الرسالية
إذا كانت الشّهادتان هما مفتاح الدّخول في الإسلام؛ فلأنّ الأولى: شهادة ''لا إله إلاّ الله'' جمعت أسس العقيدة (إخلاص العبودية - وتوحيد الإلهية - وسلامة الاعتقاد). ولأنّ الثّانية: شهادة ''محمّد رسول الله'' اقتضت ضرورة اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والاقتداء به. ونحن في هذه المناسبة العطرة التي تذكّرنا بالمولد الذي شعّ فيه نور الهداية على البشرية كلّها؛ نحتاج إلى الوقوف على أهمّ مقتضيات الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لنُذكّر أنفسنا والنّاس من حولنا بما يستوجبه الحبّ الحقيقي لهذا الرّسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه؛ خصوصا بعدما كثر الكلام حول الحكم الشّرعي للاحتفال بهذه الذّكرى.
وحتّى لا نقع في الجدل الذي تثيره هذه المسألة؛ يكفي أن ننتبه إلى أنّ الاحتفال بهذه الذّكرى هو ممّا لم يثبت فِعلُه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا عن الصّحابة والتّابعين، وبالتّالي فهو في حكم ''التّرك''.1 والتّرك لا يدلّ على التّحريم. لأنّ الذي يدلّ على التّحريم ثلاثة أشياء:
أ ـ النّهي؛ نحو: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل)2
ب ـ لفظ التّحريم؛ نحو: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة).3
ت ـ ذمّ الفعل أو التّوعّد عليه بالعقاب؛ نحو: {مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي}4
والتّرك ليس واحدا من هذه الثّلاثة؛ فلا يقتضي التّحريم.
وإذا كانت الحاجة في الزّمان الأوّل لم تَدْعُ إلى الاحتفال بهذه الذّكرى؛ فإنّ الأمر اليوم قد تغيّر؛ خصوصا بعد ما تجرّأت بعض الأقلام التّافهة التي ما كانت ليعبأ بها أحد لولاّ أنّها حاولت أن تنال من شخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ تارة باللّمز وتارة بالشّتم وتارة بالتّصوير الكريكاتوري... لَهَثاً وراء ما يُخصّصه أعداء الملّة من جوائزَ ومنحٍ لكلّ من اجترأ على النّيل من مقدّسات المسلمين.....
لقد بات من المُلِحّ على المسلمين اليوم أن لا يتركوا فرصةً مناسِبة إلاّ استثمروها في تأكيد حبّهم وولائهم الشّديد لنبيّهم وتعلّقهم بدينهم واستعدادهم للذّود عنه بكلّ غال ونفيس.
لكن السّؤال الذي يجب طرحه. هو كيف يكون الاحتفال بهذه الذّكرى؟ وهل كلّ ما يفعله النّاس في هذه المناسبة يليق بها؟ ولو كان شقّا للرّؤوس وإراقة للدّماء وشربا للماء المغلّى ...... وغيرها من المظاهر التي أعتادها بعض محترفي التّظاهرات الفلكلورية التي لا تليق بهذه المناسبة الجليلة.
فما هي حقوق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علينا؛ التي يجب أن نتذكّرها في مثل هذه المناسبة، وأن نُذَكّر بها من حولنا للتّعبير حقّا عن حبّنا الصّادق لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
1 ـ الإيمان به والتّصديق بكلّ ما جاء به
معلوم أنّ الإيمان بعامّة الرسل من أركان الإيمان؛ سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مَا الْإِيمَانُ؛ فأجاب: {أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ .....}.5 وأمّا الإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّة فقد قرنه الله تعالى بالإيمان به في عدّة آيات من كتابه الحكيم؛ فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه),6 وقال: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّي),7 وقال أيضا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه).8 وهذه النّصوص كلّها وما كان من صنفها إنّما تدلّ على أنّ الإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما يقتضيه من التّصديق بما جاء به؛ شرط أساس من شروط تمام الإيمان.
2 ـ محبّته صلّى الله عليه وسلّم
فإنّ محبّته فرض علينا؛ فهو الذي قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ},9 ولمّا قال له عمر رضي الله عنه: {لاَنْت يَا رَسُول اللَّه أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ كُلّ شَيْء إِلاَ مِنْ نَفْسِي؛ أجابه صلّى الله عليه وسلّم: لاَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُون أَحَبّ إِلَيْك مِنْ نَفْسك. فَقَالَ لَهُ عُمَر: فَإِنَّك الْآن وَاَللَّه أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ: الْآن يَا عُمَر}.10 ـ وإذا سلّمنا أنّ محبّة الإنسان لغيره مشروطةٌ بما تجلبه له هذه المحبّة من النّفع والمصلحة؛ فإنّنا إذا تأمّلنا النَّفْع الْحَاصِل لَنا مِنْ جِهَة رَسُول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وجدنا أنّه هو الَّذِي أَخْرَجَنا مِنْ ظُلُمَات الْكُفْر والجاهلية إِلَى نُور الْإِيمَان والهداية؛ وهذا النّفع أَعْظَم مِنْ جَمِيع وُجُوه الِانْتِفَاعَات، فوجب علينا بِذَلِكَ أَنْ يَكُون حَظّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مِنْ مَحَبَّتنا أَوْفَر مِنْ حظّ أي أحد سواه؛ لِأَنَّ النَّفْع الَّذِي يُثِير الْمَحَبَّة حَاصِل مِنْهُ صلّى الله عليه وسلّم أَكْثَر مِنْ غَيْره 11-.
3 ـ اتّباعه والاقتداء به
لقد اشترط ربّنا سبحانه وتعالى لمحبّته اتّباعَ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم).12 فمن زعم حبّ الله تعالى وجب عليه أن يؤيّد زعمه بالعمل على اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ وإلاّ فهو غير صادق في ما ادّعاه. ولذلك قال الشّاعر:
تَعصي الإله وتزعُم حبّه***هذا لَعمري في القياس شنيعُ
لو كنت حقّا تحبّه لأطعته***إنّ المحبّ لمن يحبّ مُطيعُ
بل إنّ الله تعالى قرن بيعته ببيعة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم).13 فإنّ اتّباعَ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم هو سبيل النّجاة والفلاح؛ لأنّ الله تعالى إنّما اختاره أسوة لنا بعدما زكّاه جملة تفصيلا؛ فقد زكّى لسانه بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى),14 وزكّى تعالى عقله فقال: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُون),15 وزكّى فؤاده بقوله: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى),16 وزكّى بصره فقال تعالى: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى),17 وزكّى تعالى خُلقه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم),18 وزكّى هدايته لقومه فقال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم),19 وزكّى تعالى أمّته فقال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس).20 أفلا يحقّ لنا بعد كلّ هذه التّزكية أن نرضاه قدوة وأن نتّخذه أسوة كما أمر الله تعالى في قوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)21؟. كيف يفكّر النّاس في مثالٍ أو قدوةٍ غيرِه صلّى الله عليه وسلّم من ضعاف خلق الله الذين لم ولن يبلغوا هذه التّزكية مهما كان حظّهم من الصّلاح والعلم والورع؟.
ومن أراد أن يتأسّى برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ عليه أن يجتهد على نفسه ليبلغ بها ما كان عليه صلّى الله عليه وسلّم في كلّ مناحي حياته.
أ ـ في أخلاقه:
فسُئلت عَائِشَة عَنْ خُلُق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَلاَ سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاق، وَلاَ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَح'' ... وفي حَدِيث أَنَس '' لَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلاَ فَحَّاشًا وَلاَ لَعَّانًا'' .... وَحُسْن الْخَلْق : اِخْتِيَار الْفَضَائِل، وَتَرْك الرَّذَائِل. وَ هو الذي ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: '' إِنَّمَا بُعِثْت لأُتَمِّم صَالِح الأَخْلاَق'' ...وهو صلّى الله عليه وسلّم الذي قالت عنه صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ '' مَا رَأَيْت أَحَدًا أَحْسَن خُلُقًا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ '' وقالت عنه عائشة '' كَانَ خُلُقه الْقُرْآن، يَغْضَب لِغَضَبِهِ وَيَرْضَى لِرِضَاهُ''.22
فهذه نبذة عن أخلاقه صلّى الله عليه وسلّم؛ علينا أن تقتدي به فيها، وأن نجتهد في تمثّلها لعلّ الله يوفّقنا للتّحلّي بها فنُذْكَر نحن أيضا بها في أزواجنا وأهلينا والنّاس من حولنا. عندئذ نكون صادقين في محبّته والاقتداء به صلّى الله عليه وسلّم.
ب ـ في حمل وتبليغ رسالته:
فهو صلّى الله عليه وسلّم الذي عاش حياته للدّعوة ولتبليغ رسالة ربّه. لم يأل جهدا في سبيل ذلك مهما كلّفه من ثمن. فعلينا أن نقتدي به في ذلك، وألا نعيش لأنفسنا فحسب؛ لأنّنا معشر المسلمين مسئولون جميعا عن إرث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ كلٌّ على قدر جهده وعلمه وماله وجاهه وسلطانه. وما أحوج العالم من حولنا اليوم إلى حملة مشعل نور الهداية بعدما آل حاله إلى ما آل إليه من فساد وضياع (ظلم وطغيان وانحراف وإرهاب وميوعة وانحلال وفساد...). من كان يظنّ أنّه سيأتي على البشرية الزّمان الذي تُقام فيه علانية احتفالات رسمية بزواج المثلين ''الرّجل بالرّجل'' ويشهده النّاس من كلّ حدب وصوب كبارا وصغارا.23 فإنّ هذا المسخ وما كان على شاكلته يدعو المسلمين بقوّة إلى تحمّل مسؤوليتهم في تبليغ دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى كلّ البشرية؛ تلك الدّعوة إلى العفّة والصّدق والأمانة والنّبل والطّهر والسّلام... فإذا هم لم يفعلوا؛ ضاعت منهم الخيرية التي في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه).24
ت ـ في العمل بكتاب ربّه:
إنّ أوّل ما يجب علينا معشر المسلمين العناية به والدّعوة إليه هو كتاب الله تعالى الذي أُنزل على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فالقرآن بالتّأكيد هو سبيل الخروج من الفتنة بدليل حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من رواية علي قال:{أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلاَ إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ؛ فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ؛ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ؛ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ. مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.25 نعم القرآن الذي ـ عبثا ـ تحاول أن تنال منه أقلام المدسوسين والمرتزقين المُغرّر بهم من أعداء الملّة والدّين.
القرآن الذي يكاد يصدق على كثير من المسلمين فيه قول الله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).26 فاللهمّ علّمنا من القرآن ما جهلنا وذكّرنا منه ما نسينا واجعله حجّة لنا ولا تجعله حجّة علينا.
4 ـ ضرورةُ طاعته وتجنّبِ مخالفته
لقد جعل الله تعالى طاعة نبيّه من طاعته عزّ وجلّ فقال (:مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه).27 وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)28؛ لأنّ الله تعالى رتّب العقاب على من يتعمّد مخالفة رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيما أمر به أو نهى عنه. فقال تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم).29 أمّا من أبى إلاّ عصيانه صلّى الله عليه وسلّم فقد توعّده الله تعالى بالخلود في الجحيم والعياذ بالله؛ فقال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا).30
ولذلك كانت كلّ الطّرق إلى الجنّة مسدودة إلاّ طريقُ اتّباعِ الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّ الاقتداء بغيره ضياع لا ينفع بعده النّدم؛ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلا).31
من أطايب الكلم
ما ساقه النّووي في شرحه لمقتضيات ''النّصيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم'' فقال: '' وأما النصيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتصديقُه على الرسالة، والإيمانُ بجميع ما جاء به، وطاعتُه في أمره ونهيه، ونصرتُه حيا وميتا، ومعاداةُ عن عاداه، وموالاةُ من والاه، وإعظامُ حقه، وتوقيرهُ، وإحياءُ طريقته وسنته، وبثُّ دعوته، ونشرُ شريعته، ونفيُ التهمة عنها، واستثارةُ علومها، والتفقهُ في معانيها، والدعاءُ إليها، والتلطف في تعلّمها وتعليمها، وإعظامُها، وإجلالُها، والتأدبُ عند قراءتها، والإمساكُ عن الكلام فيها بغير علم، وإجلالُ أهلها لانتسابهم إليها، والتخلقُ بأخلاقه، والتأدبُ بآدابه، ومحبةُ أهل بيته وأصحابه، ومجانبةُ من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك.32
من أطايب الشّعر
ما ورد في مدحه صلّى الله عليه وسلّم:
فازت حليمة من رضاع محمد خير الورى طرا بأعظم مقصد
نالت من البركات حين مضت به** والسعد قارنها بطلعة أحمدِ
قد درّ منها الثديُ حين رضاعه** أمِنَت به من كل جُهد مُجهد
وأتانُها للركب قد سبقت بها** فرَحا وتيها بالرسول الأمجدِ
أغنامها صارت شِباعا كلما** سرحت تجود لها بدر مُزبِد
ورأت من الخيرات وهي تَحُفّها** والناس في مِحل وعيش أنكدِ
من أطايب الدّعاء
اللهم فارج الهم،كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين،رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمنا فارحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك.
اللّهمّ قوّ محبّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قلوبنا، ووفّقنا لاتّباعه والعمل بسنّته، ولا تُخالف بنا عن نهجه.
آميــن
و الحمد لله ربّ العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التّرك هو أن يترك النّبي صلّى الله عليه وسلّم شيئا لم يفعله أو يتركه السّلف الصّالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنّهي عن ذلك الشّيء المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته. (راجعه في رسالة ''حسن التّفهّم والدّرك في مسألة التّرك'' للعلاّمة عبد الله بن الصّديق الغماري ص 12)
2 ـ البقرة؛ .188
3 ـ المائدة؛ .3
4 ـ مسلم؛ في صحيحه؛ في كتاب الإيمان. من رواية أبي هريرة.
5 مسلم؛ في صحيحه؛ في كتاب الإيمان؛ من رواية عمر ابن الخطّاب. الحديث المعروف بحيث جبريل.
6 النّساء؛ .136
7 الأعراف. .158
8 النّور؛ .62
9 أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان؛ من رواية أنس بن مالك.
10 نصّ الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور؛ مِنْ رواية عَبْد اللَّه بْن هِشَام؛ بتصرّف.
11 فتح الباري بشرح صحيح البخاري؛ في شرح الحديث المتقدّم. بتصرّف.
12 آل عمران 31
13 الفتح؛ .10
14 النّجم؛ .3
15 التّكوير؛ .22
16 النّجم؛ .11
17 النّجم؛ .17
18 القلم 4
19 الشّورى؛ .52
20 آل عمران؛ .110
21 الأحزاب 21
22 فتح الباري بشرح صحيح البخاري؛ قوله ''لم يكن النّبي صلّى الله عليه وسلّم فاحشا''.
23 كما حدث على سبيل المثال في 21 دجنبر 2005 في مدينة ويندسور البريطانية في زواج مغنّي البوب المشهور ٌَُُّ َوُت برفيقه لىًّف وَّىَِّْئ
24 آل عمران؛ .110
25 التّرمذي في سننه في كتاب فضائل القرآن من حديث الحارث
26 الفرقان؛ .30
27 النّساء 80
28 الحشر؛ .7
29 النّور؛ .63
30 الجنّ؛ .23
31 الفرقان؛ .2827
32 شرح النووي على صحيح مسلم؛ ج2:؛ ص38:
ويبقى السؤال المطروح هو كيفبة الاحتفال بهذه الذكرى،وهوما يجيب عنه الدكتورالرمال في هذا المقال ...
ذكرى المولد النبوي بين الاحتفالات الفلكلورية والدروس الرسالية
إذا كانت الشّهادتان هما مفتاح الدّخول في الإسلام؛ فلأنّ الأولى: شهادة ''لا إله إلاّ الله'' جمعت أسس العقيدة (إخلاص العبودية - وتوحيد الإلهية - وسلامة الاعتقاد). ولأنّ الثّانية: شهادة ''محمّد رسول الله'' اقتضت ضرورة اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والاقتداء به. ونحن في هذه المناسبة العطرة التي تذكّرنا بالمولد الذي شعّ فيه نور الهداية على البشرية كلّها؛ نحتاج إلى الوقوف على أهمّ مقتضيات الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لنُذكّر أنفسنا والنّاس من حولنا بما يستوجبه الحبّ الحقيقي لهذا الرّسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه؛ خصوصا بعدما كثر الكلام حول الحكم الشّرعي للاحتفال بهذه الذّكرى.
وحتّى لا نقع في الجدل الذي تثيره هذه المسألة؛ يكفي أن ننتبه إلى أنّ الاحتفال بهذه الذّكرى هو ممّا لم يثبت فِعلُه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا عن الصّحابة والتّابعين، وبالتّالي فهو في حكم ''التّرك''.1 والتّرك لا يدلّ على التّحريم. لأنّ الذي يدلّ على التّحريم ثلاثة أشياء:
أ ـ النّهي؛ نحو: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل)2
ب ـ لفظ التّحريم؛ نحو: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة).3
ت ـ ذمّ الفعل أو التّوعّد عليه بالعقاب؛ نحو: {مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي}4
والتّرك ليس واحدا من هذه الثّلاثة؛ فلا يقتضي التّحريم.
وإذا كانت الحاجة في الزّمان الأوّل لم تَدْعُ إلى الاحتفال بهذه الذّكرى؛ فإنّ الأمر اليوم قد تغيّر؛ خصوصا بعد ما تجرّأت بعض الأقلام التّافهة التي ما كانت ليعبأ بها أحد لولاّ أنّها حاولت أن تنال من شخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ تارة باللّمز وتارة بالشّتم وتارة بالتّصوير الكريكاتوري... لَهَثاً وراء ما يُخصّصه أعداء الملّة من جوائزَ ومنحٍ لكلّ من اجترأ على النّيل من مقدّسات المسلمين.....
لقد بات من المُلِحّ على المسلمين اليوم أن لا يتركوا فرصةً مناسِبة إلاّ استثمروها في تأكيد حبّهم وولائهم الشّديد لنبيّهم وتعلّقهم بدينهم واستعدادهم للذّود عنه بكلّ غال ونفيس.
لكن السّؤال الذي يجب طرحه. هو كيف يكون الاحتفال بهذه الذّكرى؟ وهل كلّ ما يفعله النّاس في هذه المناسبة يليق بها؟ ولو كان شقّا للرّؤوس وإراقة للدّماء وشربا للماء المغلّى ...... وغيرها من المظاهر التي أعتادها بعض محترفي التّظاهرات الفلكلورية التي لا تليق بهذه المناسبة الجليلة.
فما هي حقوق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علينا؛ التي يجب أن نتذكّرها في مثل هذه المناسبة، وأن نُذَكّر بها من حولنا للتّعبير حقّا عن حبّنا الصّادق لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
1 ـ الإيمان به والتّصديق بكلّ ما جاء به
معلوم أنّ الإيمان بعامّة الرسل من أركان الإيمان؛ سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مَا الْإِيمَانُ؛ فأجاب: {أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ .....}.5 وأمّا الإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّة فقد قرنه الله تعالى بالإيمان به في عدّة آيات من كتابه الحكيم؛ فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه),6 وقال: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّي),7 وقال أيضا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه).8 وهذه النّصوص كلّها وما كان من صنفها إنّما تدلّ على أنّ الإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما يقتضيه من التّصديق بما جاء به؛ شرط أساس من شروط تمام الإيمان.
2 ـ محبّته صلّى الله عليه وسلّم
فإنّ محبّته فرض علينا؛ فهو الذي قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ},9 ولمّا قال له عمر رضي الله عنه: {لاَنْت يَا رَسُول اللَّه أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ كُلّ شَيْء إِلاَ مِنْ نَفْسِي؛ أجابه صلّى الله عليه وسلّم: لاَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُون أَحَبّ إِلَيْك مِنْ نَفْسك. فَقَالَ لَهُ عُمَر: فَإِنَّك الْآن وَاَللَّه أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ: الْآن يَا عُمَر}.10 ـ وإذا سلّمنا أنّ محبّة الإنسان لغيره مشروطةٌ بما تجلبه له هذه المحبّة من النّفع والمصلحة؛ فإنّنا إذا تأمّلنا النَّفْع الْحَاصِل لَنا مِنْ جِهَة رَسُول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وجدنا أنّه هو الَّذِي أَخْرَجَنا مِنْ ظُلُمَات الْكُفْر والجاهلية إِلَى نُور الْإِيمَان والهداية؛ وهذا النّفع أَعْظَم مِنْ جَمِيع وُجُوه الِانْتِفَاعَات، فوجب علينا بِذَلِكَ أَنْ يَكُون حَظّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مِنْ مَحَبَّتنا أَوْفَر مِنْ حظّ أي أحد سواه؛ لِأَنَّ النَّفْع الَّذِي يُثِير الْمَحَبَّة حَاصِل مِنْهُ صلّى الله عليه وسلّم أَكْثَر مِنْ غَيْره 11-.
3 ـ اتّباعه والاقتداء به
لقد اشترط ربّنا سبحانه وتعالى لمحبّته اتّباعَ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم).12 فمن زعم حبّ الله تعالى وجب عليه أن يؤيّد زعمه بالعمل على اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ وإلاّ فهو غير صادق في ما ادّعاه. ولذلك قال الشّاعر:
تَعصي الإله وتزعُم حبّه***هذا لَعمري في القياس شنيعُ
لو كنت حقّا تحبّه لأطعته***إنّ المحبّ لمن يحبّ مُطيعُ
بل إنّ الله تعالى قرن بيعته ببيعة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم).13 فإنّ اتّباعَ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم هو سبيل النّجاة والفلاح؛ لأنّ الله تعالى إنّما اختاره أسوة لنا بعدما زكّاه جملة تفصيلا؛ فقد زكّى لسانه بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى),14 وزكّى تعالى عقله فقال: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُون),15 وزكّى فؤاده بقوله: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى),16 وزكّى بصره فقال تعالى: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى),17 وزكّى تعالى خُلقه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم),18 وزكّى هدايته لقومه فقال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم),19 وزكّى تعالى أمّته فقال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس).20 أفلا يحقّ لنا بعد كلّ هذه التّزكية أن نرضاه قدوة وأن نتّخذه أسوة كما أمر الله تعالى في قوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)21؟. كيف يفكّر النّاس في مثالٍ أو قدوةٍ غيرِه صلّى الله عليه وسلّم من ضعاف خلق الله الذين لم ولن يبلغوا هذه التّزكية مهما كان حظّهم من الصّلاح والعلم والورع؟.
ومن أراد أن يتأسّى برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ عليه أن يجتهد على نفسه ليبلغ بها ما كان عليه صلّى الله عليه وسلّم في كلّ مناحي حياته.
أ ـ في أخلاقه:
فسُئلت عَائِشَة عَنْ خُلُق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَلاَ سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاق، وَلاَ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَح'' ... وفي حَدِيث أَنَس '' لَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلاَ فَحَّاشًا وَلاَ لَعَّانًا'' .... وَحُسْن الْخَلْق : اِخْتِيَار الْفَضَائِل، وَتَرْك الرَّذَائِل. وَ هو الذي ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: '' إِنَّمَا بُعِثْت لأُتَمِّم صَالِح الأَخْلاَق'' ...وهو صلّى الله عليه وسلّم الذي قالت عنه صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ '' مَا رَأَيْت أَحَدًا أَحْسَن خُلُقًا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ '' وقالت عنه عائشة '' كَانَ خُلُقه الْقُرْآن، يَغْضَب لِغَضَبِهِ وَيَرْضَى لِرِضَاهُ''.22
فهذه نبذة عن أخلاقه صلّى الله عليه وسلّم؛ علينا أن تقتدي به فيها، وأن نجتهد في تمثّلها لعلّ الله يوفّقنا للتّحلّي بها فنُذْكَر نحن أيضا بها في أزواجنا وأهلينا والنّاس من حولنا. عندئذ نكون صادقين في محبّته والاقتداء به صلّى الله عليه وسلّم.
ب ـ في حمل وتبليغ رسالته:
فهو صلّى الله عليه وسلّم الذي عاش حياته للدّعوة ولتبليغ رسالة ربّه. لم يأل جهدا في سبيل ذلك مهما كلّفه من ثمن. فعلينا أن نقتدي به في ذلك، وألا نعيش لأنفسنا فحسب؛ لأنّنا معشر المسلمين مسئولون جميعا عن إرث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ كلٌّ على قدر جهده وعلمه وماله وجاهه وسلطانه. وما أحوج العالم من حولنا اليوم إلى حملة مشعل نور الهداية بعدما آل حاله إلى ما آل إليه من فساد وضياع (ظلم وطغيان وانحراف وإرهاب وميوعة وانحلال وفساد...). من كان يظنّ أنّه سيأتي على البشرية الزّمان الذي تُقام فيه علانية احتفالات رسمية بزواج المثلين ''الرّجل بالرّجل'' ويشهده النّاس من كلّ حدب وصوب كبارا وصغارا.23 فإنّ هذا المسخ وما كان على شاكلته يدعو المسلمين بقوّة إلى تحمّل مسؤوليتهم في تبليغ دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى كلّ البشرية؛ تلك الدّعوة إلى العفّة والصّدق والأمانة والنّبل والطّهر والسّلام... فإذا هم لم يفعلوا؛ ضاعت منهم الخيرية التي في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه).24
ت ـ في العمل بكتاب ربّه:
إنّ أوّل ما يجب علينا معشر المسلمين العناية به والدّعوة إليه هو كتاب الله تعالى الذي أُنزل على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فالقرآن بالتّأكيد هو سبيل الخروج من الفتنة بدليل حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من رواية علي قال:{أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلاَ إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ؛ فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ؛ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ؛ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ. مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.25 نعم القرآن الذي ـ عبثا ـ تحاول أن تنال منه أقلام المدسوسين والمرتزقين المُغرّر بهم من أعداء الملّة والدّين.
القرآن الذي يكاد يصدق على كثير من المسلمين فيه قول الله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).26 فاللهمّ علّمنا من القرآن ما جهلنا وذكّرنا منه ما نسينا واجعله حجّة لنا ولا تجعله حجّة علينا.
4 ـ ضرورةُ طاعته وتجنّبِ مخالفته
لقد جعل الله تعالى طاعة نبيّه من طاعته عزّ وجلّ فقال (:مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه).27 وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)28؛ لأنّ الله تعالى رتّب العقاب على من يتعمّد مخالفة رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيما أمر به أو نهى عنه. فقال تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم).29 أمّا من أبى إلاّ عصيانه صلّى الله عليه وسلّم فقد توعّده الله تعالى بالخلود في الجحيم والعياذ بالله؛ فقال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا).30
ولذلك كانت كلّ الطّرق إلى الجنّة مسدودة إلاّ طريقُ اتّباعِ الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّ الاقتداء بغيره ضياع لا ينفع بعده النّدم؛ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلا).31
من أطايب الكلم
ما ساقه النّووي في شرحه لمقتضيات ''النّصيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم'' فقال: '' وأما النصيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتصديقُه على الرسالة، والإيمانُ بجميع ما جاء به، وطاعتُه في أمره ونهيه، ونصرتُه حيا وميتا، ومعاداةُ عن عاداه، وموالاةُ من والاه، وإعظامُ حقه، وتوقيرهُ، وإحياءُ طريقته وسنته، وبثُّ دعوته، ونشرُ شريعته، ونفيُ التهمة عنها، واستثارةُ علومها، والتفقهُ في معانيها، والدعاءُ إليها، والتلطف في تعلّمها وتعليمها، وإعظامُها، وإجلالُها، والتأدبُ عند قراءتها، والإمساكُ عن الكلام فيها بغير علم، وإجلالُ أهلها لانتسابهم إليها، والتخلقُ بأخلاقه، والتأدبُ بآدابه، ومحبةُ أهل بيته وأصحابه، ومجانبةُ من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك.32
من أطايب الشّعر
ما ورد في مدحه صلّى الله عليه وسلّم:
فازت حليمة من رضاع محمد خير الورى طرا بأعظم مقصد
نالت من البركات حين مضت به** والسعد قارنها بطلعة أحمدِ
قد درّ منها الثديُ حين رضاعه** أمِنَت به من كل جُهد مُجهد
وأتانُها للركب قد سبقت بها** فرَحا وتيها بالرسول الأمجدِ
أغنامها صارت شِباعا كلما** سرحت تجود لها بدر مُزبِد
ورأت من الخيرات وهي تَحُفّها** والناس في مِحل وعيش أنكدِ
من أطايب الدّعاء
اللهم فارج الهم،كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين،رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمنا فارحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك.
اللّهمّ قوّ محبّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قلوبنا، ووفّقنا لاتّباعه والعمل بسنّته، ولا تُخالف بنا عن نهجه.
آميــن
و الحمد لله ربّ العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التّرك هو أن يترك النّبي صلّى الله عليه وسلّم شيئا لم يفعله أو يتركه السّلف الصّالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنّهي عن ذلك الشّيء المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته. (راجعه في رسالة ''حسن التّفهّم والدّرك في مسألة التّرك'' للعلاّمة عبد الله بن الصّديق الغماري ص 12)
2 ـ البقرة؛ .188
3 ـ المائدة؛ .3
4 ـ مسلم؛ في صحيحه؛ في كتاب الإيمان. من رواية أبي هريرة.
5 مسلم؛ في صحيحه؛ في كتاب الإيمان؛ من رواية عمر ابن الخطّاب. الحديث المعروف بحيث جبريل.
6 النّساء؛ .136
7 الأعراف. .158
8 النّور؛ .62
9 أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان؛ من رواية أنس بن مالك.
10 نصّ الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور؛ مِنْ رواية عَبْد اللَّه بْن هِشَام؛ بتصرّف.
11 فتح الباري بشرح صحيح البخاري؛ في شرح الحديث المتقدّم. بتصرّف.
12 آل عمران 31
13 الفتح؛ .10
14 النّجم؛ .3
15 التّكوير؛ .22
16 النّجم؛ .11
17 النّجم؛ .17
18 القلم 4
19 الشّورى؛ .52
20 آل عمران؛ .110
21 الأحزاب 21
22 فتح الباري بشرح صحيح البخاري؛ قوله ''لم يكن النّبي صلّى الله عليه وسلّم فاحشا''.
23 كما حدث على سبيل المثال في 21 دجنبر 2005 في مدينة ويندسور البريطانية في زواج مغنّي البوب المشهور ٌَُُّ َوُت برفيقه لىًّف وَّىَِّْئ
24 آل عمران؛ .110
25 التّرمذي في سننه في كتاب فضائل القرآن من حديث الحارث
26 الفرقان؛ .30
27 النّساء 80
28 الحشر؛ .7
29 النّور؛ .63
30 الجنّ؛ .23
31 الفرقان؛ .2827
32 شرح النووي على صحيح مسلم؛ ج2:؛ ص38:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
www.alislah.org
0 التعليقات:
إرسال تعليق