الاثنين، 22 يونيو 2009

نبل الشباب

سوداء هي عدساتنا التي نرتديها بإرادتنا حيناً وبإرادة غيرنا أحياناً أخرى؛ لنطل بها على مشهدنا الاجتماعي، فنلتقط بها صوراً عن واقع عناصر مجتمعنا المختلفة؛ لترتسم في أذهاننا صور سوداوية، فنجزم أنها هي واقع الحال، حتى تفشت فينا روح اليأس وانعدام الثقة بأنفسنا وبأفراد مجتمعنا، فلا نسمع إلاّ اللوم والتقريع للجميع من الجميع ولكل شيء، إلاّ أننا عندما نستبدل تلك العدسات الداكنة المستعارة بأخرى صافية شفّافة نذهل مما نرى من صور في غاية الروعة والجمال، وفي قمة المثالية والكمال لكل عنصر من مكونات مجتمعنا، ولست هنا أحيط بها جميعها، لكنني سأرى بعدساتي الصافية فئة واحدة فقط، وعنصراً مهماً جدا ألا وهو عنصر الشباب، الذي تلقّى من الكل اللوم والتقريع -حد الازدراء- حتى ترسّخ اعتقاد أنه جيل عالة على أمته، شاطح بين التطرف اليميني، والتفسخ اليساري.

ولعلي هنا أورد نماذج قليلة على مدى ما يتحلى به شبابنا وشاباتنا من نبل وشهامة تملؤنا فخراً بهم وتغمرنا غبطة وسروراً؛ فقد أثبتوا أن لديهم كل المقومات التي تجعل منهم جيلاً صالحاً ومميزاً، بل لديهم بحكم عصرهم ما يفوق جيل الآباء والأجداد من مهارة وثقافة واطلاع وعلم، ومن تلك النماذج:

شاب أنهى دراسته الجامعية بجامعة طيبة، وسافر لاستراليا لتحضير الماجستير، وهناك وسط كل المغريات والملهيات أثبت أنه من طينة طاهرة، ومن بلد طيبة (مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم). جد واجتهد ونافس طلاب جامعته من كل الجنسيات، ولا يخفى عليكم ما تضمّ جامعات أستراليا بحكم موقعها الجغرافي من طلاب آسيويين عباقرة من الباكستان والهند وبقية دول شرق آسيا، إلاّ أنه -بفضل الله- حصل -وهو الطالب حمدي الرويثي المبتعث من قبل جامعة طيبة للدراسة باستراليا- على عضوية جمعية (Honour Society Golden Key International )، وذلك تقديراً من الجمعية لأدائه الأكاديمي المتميز خلال العام الماضي، لا ينالها إلاّ (أفضل 15% من طلاب نحو 370 جامعة حول العالم) .

وشابان في مقتبل العمر وزهرته يشاهدان أسرة تصارع أمواج السيول العاتية، ليس بينها وبين الغرق ومفارقة الدنيا إلاّ لطف الله بهم ثم شهامتهم وشجاعتهم، فتتزلزل أركانهم، وتثور براكين النبل في عروقهم، فيتقدم أحدهم لسيارة الأسرة وينتشل المرأة من بين براثن السيل الهادر، فيقع بها داخل الأمواج ليتبعه الآخر ثم الآخرون، ويكتب الله لتلك الأسرة النجاة على أيديهم في مشهد أدهش من شاهده، فمن يا ترى دفعهم لركوب المخاطر والمجازفة بأرواحهم والتضحية بأنفسهم في سبيل أسرة لا تمتّ لهم بقربى؟

أليس في شبابنا الخير؟

وهناك شابات مثقفات رأين زحف الإنترنت وطغيان مواقعه على المجتمع فآلين على أنفسهن ألاّ يتركن الساحة مباحة للمواقع التي تهدم ولا تبني، وتفسد ولا تصلح؛ فبنين مواقع نسائية تجد فيها الفتاة ما يشبع رغبتها الثقافية والترفيهية والعلمية، دون أن تتعرض للمغريات والمفسدات أو الاختلاط (الإلكتروني) ـ إن جاز لي التعبير ـ وسهرن على جعل تلك المواقع نقية آمنة تشع بالخير وتضيء بالإصلاح، وتكبدن في سبيل ذلك السهر والمال، و أنفقن جل وقتهن لأجلها. كل ذلك بمبادرات ذاتية نابعة من نبلهن، وثمرة لنبتة الخير فيهن، دون انتظار تقدير أو مكافأة من أحد.

شباب يسارعون للتطوع في الأعمال الخيرية، ويتسابقون لبذل الوقت والجهد في سبيل خدمة المجتمع، وإسعاد الناس على حساب مالهم وصحتهم ووقتهم، وحتى أسرهم، فنرى لجان التنمية الاجتماعية والمستودعات الخيرية وجمعيات خدمة المجتمع المختلفة قائمة على سواعد الشباب المتطوع بإرادته، وبمبادرته الذاتية تملأ النفوس سروراً بشهامة ونبل هؤلاء الخيرين، مؤكدين أن الخير في الشباب إلى يوم القيامة.

وإن عددت النماذج فلن أستطيع ذكرها والإحاطة بها جميعها، لكنها شذرات تشع ضياءً في عتمة المشهد السوداوي الذي غلّفنا به أفقنا، وكبّلنا به شبابنا لنسلبهم خصالاً حميدة تكمن في دواخلهم، ليس عن واقع حكمت به عليهم، بل تعميماً للنماذج السيئة على الجميع، والنظرة السلبية تجاههم.

لذا أدعو إلى تعزيز النماذج المضيئة في شبابنا ونشرها لنحفّزهم على المزيد، ونجذب لهم غيرهم من الذين أسرفوا على أنفسهم، لكي نساهم في رقي مجتمعنا وإصلاح شبابنا.

فلننظر إلى نصف الكأس المليء.

فالخير في شبابنا إلى يوم القيامة.


ياسمين الصالح/الاسلام اليوم

0 التعليقات:

إرسال تعليق